تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بحر فذهب هذا المجد كله وهو قد جاء ليؤمن مجداً جديداً وعملاً خالداً فذهب إلى قرية من قرى فارس ومر في طريقه على تلميذه الأخفش فبثه شكوه وقال له بنجواه وأخبره بالقصة ولم يستطع بدنه أن يتحمل ما أصابه من قهر وهم المرض ولم يلبث شيئاً يسيراً حتى توفي وعندما أحتضر وشعر بدنو الأجل تذكر بيتين من الشعر تناسب حاله وكونه قد ذهب يريد أمراً فرجع بأخر فقال رحمه الله: يأمل الدنيا لتبقى له ... فوافى المنية دون الأمل

حثيثاً يُروي أصول النخيل ... فعاش النخيل ومات الرجل

ثم أسلم نفسه وفاضت روحه إلى باريها رحمه الله ..

هذا الرجل الذي مات بهذا القهر ترك للناس كما قلت كتابه [الكتاب] وهذا الكتاب لا يعرف بعد كتاب لله جل وعلا كتاب شرحه العلماء أو حاموا حوله أو طافوا ببابه ككتاب سيبويه وترجم بعصرنا هذا إلى أكثر لغات العالم. وجامعة هارفرد الأمريكية وهي أرقى جامعات العالم أكاديمياً تحتفظ بنسخ منه وتضع شهادات أكاديمية وترقيات علمية فيمن يستطيع أن يبحث في كتاب سيبويه بل أن نحوي أمريكياً شهيراً أسمه تشومسكي ظهر في هذا العصر كتب في أول حياته في السياسة ثم تفرغ للنحو وأخرج للجامعات العالم ما يسمى عالمياً [بالنحو التحويلي] ونظرية تشومسكي في النحو التحويلي سارت بها الركبان في هذا العصر وهو حي يرزق الآن في جامعات العالم ما قاله تشومسكي في النحو التحويلي وُجد له أصل في كتاب سيبويه فقد لفت إليه سيبويه من قبل ألف سنة كما بينا.

كما أنه رحمه الله تعالى ذكر لنا طريقة جميلة في التأدب مع المشائخ و العلماء فقد كان شيخه الأول الخليل بن أحمد فكان حتى يميز الخليل شيخه الأكبر والأول عن غيره يقول رحمه الله في الكتاب: " زعم عيسى بن عمر وحدثني أبو الخطاب وأخبرني يونس "فيذكر أسماء المشائخ فإذا قال: "حدثني " ويذكر الخبر دون أن يقول الفاعل فإنما يقصد في المقال الأول شيخه الخليل بن أحمد فتأدب معه يرى أن شيخه هذا أجل من أن يذكر وأكبر من أن يسطر أسمه إلا في بعض مواطن في الكتاب لا تخفى لمن أطلع عليه.

ثم أنه ضرب مثلاً في قوة النفوذ العلمي للكتاب: الكتاب الحق الذي تألفه إذا خرج للناس مادته العلمية تقنع الناس لا ما فيه من تقرير العلماء وأفكار الفضلاء فإن الله جل وعلا لما أنزل كتابه قال في أول صفحاته بعد الفاتحة ((آلم * ذلك الكتاب)) أي دونكم الكتاب فاقرءوه والله جل وعلا يعلم أنه خالق ولا يقاس به أحد من خلقه لكن هذا منهج لأن الإنسان إذا أراد أن يؤلف يعنى بمادة الكتاب ولا يعنى بتقديم غيره له حتى يكون الكتاب أوقع في النفوس وأملأ لليد ويحتف به الناس فسيبويه لم يجعل لكتابه لا خطبة ولا مقدمة ولا خاتمة وقد يقال أنه مات قبل أن يخرج كتابه لكن أين كان الأمر كان كتابه فريد في عصره وكما قلت ما حصل له دليل من أدلة قهر الرجال.

على أنه ينبغي أن يعلم كذلك كما قلت في الأول أن ميدان التنافس الدنيوي الذي يدفع الإنسان بتصرفات لا يحب أن يعامل بها كأن يريد أن يصل قبل أن يكتب له الوصول وأعلم أُخيّ أن كنت طالب علم أو عالم أو مربي أن ما كتبه الله لك لن يمنعك منه أحد وما لم يكتبه الله جل وعلا لك لن يصل إليك أبداً ولو اجتمع أهل الأرض على أن يوصلوه إليك.

فالحق الذي لا فريه فيه أن التأدب مع الأئمة الأعلام والأكابر الماضين إذا ألفت كتيباً فمن قرأ مقدمة الشيخ المختار الوالد رحمة الله في شرح سنن النسائي الصغرى وكيف ذكر أنه دفعه إلى التأليف أن الناس لم يحتفوا بسنن النسائي وإلا فهو يرى نفسه على علمه وفضله أقل من أن يكتب أو يؤلف مؤلفاً وذكر أبيات جميلة في هذا تنسب إلى أحد المالكية:

متى تصل العطاش إلى ارتواء ... إذا استقت البحار من الركايا

ومن يثني الأصاغر عن مراد ... إذا جلس الأكابر في الزوايا

وإنّ ترفع الوضعاء يوماً ... على الرفعاء من أقسى البلايا

إذا استوت الأسافل والأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا

علمنا الله وإياكم ما ينفعنا ونفعنا بما علمنا، وجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الشيخ صالح المغامسي

منقول من صيد الفوائد

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير