فقولنا كلام الله تعالى: لابد فيه من أمرين في لغة العرب اللفظ والإفادة (المعنى). ولا يصح فصل أحد الأمرين عن الآخر إلا لسبب لغوي أو شرعي مقبول وإلا بقي الأمر على أصله.
وهذا المذهب الذي ذكرناه من أن كلام الله تعالى هو ما حوى اللفظ والمعنى، فاللفظ القرآني والمعنى المراد من اللفظ هو كلام الله تعالى على الحقيقة هو مذهب السلف بلا خلاف وما دخل الخلاف إلا عندما دخل الدخن من عقول الفلاسفة ومنطق اليونان.
ومذهب الأشعرية هو مذهب المعتزلة ولكنه متطور بغرابة غير معقولة ولا مفهومة، وهذا ديدن الأشاعرة في تلفيق مذهبهم وتوفيقهم بين المتناقضات بما لا يتفق.
فمؤدى مذهب الأشاعرة أن القرآن الذي بين أيدينا مخلوق، وأنه دال على كلام الله وليس هو كلام الله تعالى، لأن كلام الله معنى، وليس لفظاً ومعنى، ونفسيّ: ليس بمقروء على الألسن ولا محفوظ في الصدور وليس بمكتوب على الأوراق؛ قديم، ومعنى قولهم قديم أي أن الله عز وجل لم يزل متكلماً أزلاً وأبداً "8" ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1069007#_ftn8).
بعد هذا الذي بيناه هل في كلام السلف ما يوافقه - وهو أن الكلام لفظ ومعنى حرف وصوت -؟
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وقد نصَّ أئمة الإسلام أحمد ومن قبله من الأئمة أن الله تكلم بالقرآن بحروفه ومعانيه بصوت نفسه كما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف، وصوت العبد ليس هو صوت الرب ولا مثل صوته فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وقد نص أئمة الإسلام أحمد ومن قبله من الأئمة على ما نطق به الكتاب والسنة بأن الله ينادي بصوت وأن القرآن كلامه تكلم به بحرف وصوت ليس منه شيء كلاماً لغيره لا لجبريل ولا غيره) "9" ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1069007#_ftn9).
قال أبو المعالي: (كنت يوماً عند الشيخ أبي البيان رحمه الله تعالى فجاءه ابن تميم الذي يدعى الشيخ الأمين، فقال له الشيخ بعد كلام جرى بينهما: ويحك، الحنابلة إذا قيل لهم: ما الدليل على أن القرآن بحرف وصوت؟ قالوا: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا، وسرد الشيخ الآيات والأخبار: وأنتم إذا قيل لكم: ما الدليل على أن القرآن معنى قائمه في النفس؟ قلتم: قال الأخطل "إن الكلام لفي الفؤاد" إيشن هذا الأخطل؟!! نصراني خبيث بنيتم مذهبكم على بيت شعر من قوله وتركتم الكتاب والسنة) "10" ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1069007#_ftn10).
وقال أبو أحمد الأسفرائيني: (مذهبي ومذهب الشافعي رحمه الله تعالى وجميع علماء الأمصار أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، وأن جبرائيل عليه السلام سمعه من الله عز وجل وحمله إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبرائيل عليه السلام وسمعه الصحابة رضي الله عنهم من محمد صلى الله عليه وسلم، وأن كل حرف منه كالباء والتاء كلام الله عز وجل ليس بمخلوق) "11" ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=1069007#_ftn11).
فالقرآن كلام الله لفظاً ومعنى منزّل غير مخلوق وهو المتلو المسموع والمكتوب في المصاحف.
وتفصيل ذلك على الآتي:
الكلام صفة كمال لأن من يتكلم أكمل ممن لا يتكلم ومن يتكلم بمشيئة وقدرة أكمل ممن يكون الكلام لا إرادياً ليس لهو عليه قدرة ولا له فيه مشيئة ولذلك فالله عز وجل متكلم حقيقة بكلام هو صفة من صفاته العليا حقيقة ويتكلم متى شاء بما شاء ولذلك قال تعالى: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه}.
والآية تبين وقت كلام الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه السلام وهو إنما كان بعد ما جاء موسى لميقات ربه وليس كما قال البيجوري وأشياعه وسلفه، أن الله عز وجل لم يزل متكلماً أزلاً وأبداً ومعنى كلامه أن الله عز وجل لم يزل ولا يزال أزلاً وأبداً يقول يا موسى يا موسى يا موسى وكلام الله عز وجل يعلم منه أنه حين جاء موسى كلمه فهو سبحانه وتعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومشيئته وقعت حين جاء موسى.
¥