تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[26 - 11 - 04, 10:00 م]ـ

و هاهي المقالة التي بادرت إلى كتابتها قبل أن تغلق الجرائد أبوابها عن استقبال المقالات، حاولت فيها الاختصار لحال الجرائد، و وعد أحد العاملين فيها بأن تنشر غدا أو بعد غد - إن لم يتيسر أمر إدراجها في الجريدة الليلة -

كلمة حقٍّ و برٍّ و وفاءٍ في وفاة ريحانة الشام و عالمها و محدِّثها العلامة عبد القادر الأرنؤوط -رحمه الله -

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على رسوله الأمين، أما بعد:

فإن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.

ففي قبضهم قبض للعلم، فتكون المصيبة بموتهم مصيبتين، الأولى: بفقدهم ووفاتهم، و الأخرى بذهاب علومهم، و تزداد هذه المصيبة إذا كان المقبوض من العلماء الربانيين، و الأئمة المصلحين، الذين طنت بذكرهم الأمصار، و ضنَّت بمثلهم الأعصار، الذين نذروا أوقاتهم و جهودهم لخدمة هذا الدين ...

فما أشدَّ وقْع المصيبة وقتئذ، و ما أعظمها ألما، و ما أشقها على النفوس المؤمنة ...

فإن فقد العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل و النهار.

و لا يزال المصاب يعظم في هذه الأمة، كلما ازداد عِقد العلماء انفراطا، و كادت حباته أن تنتهي ..

و في فجر يوم الجمعة 26/ 11/2004 انفرطت حبة من تلك الحبات الباقية، فقد غيَّب الموت اليوم عالما من علماء الأمة الربانيين، و علما جليلا من أعلام المحدثين في هذا العصر، و مربِّيا فريدا في مَصره، إنه شيخنا و مفيدنا و معلِّمنا و مؤدبنا، ريحانةُ الشام، العلامة المحدِّث، و الفقيه المصلح، الداعية بقلمه و فعاله، بقوله و حاله، صاحب الحكمة العالية و البصيرة النافذة، الذي جمع حقيقةً بين التربية و التصفية، فكان العالمَ المحققَ المربي، إنه شيخُ الشام و عالمها و مؤنس وحشة الغرباء فيها، إنه كبيرُ محدثيها و حفاظها، عبد القادر الأرنؤوط – رحمه الله رحمة واسعة -.

لقد كان الخبر صادقا، و لصدقه أفجعنا و ملأ قلوبنا حزنا؛ لأن الذي أخبرت بوفاته هو من عرفته عن قُرب و مجالسة طويلة:

1 - الرجل الغيور على سنة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، الذي عمَّر وقته كتابة و تدريسا و خطابة و هو يميز للأمة صحيح السنن و الآثار من ضعيفها و يفقههم في معانيها، و يسعى في نشر كتب السنة و غيرها ...

و لقد أخرج لطلبة العلم و العلماء و المثقفين ما يزيد عن خمسين كتابا بين صغير و كبير ...

2 - الرجل الذي يحمل هموم الأمة كلها في قلبه، فلا تحل بالأمة واقعة إلا و ترى ذلك باديا عليه، في أحاديثه و أحواله.

3 – إنه الرجل القوال بالحق، الصادع به، الذي – عرفته الشام – لا يخشى في الله لومة لائم، فلا مداهنة عنده و لا مداراة، بل يصيح بالحق و يعلن به في حكمة عالية و أدب رفيع و خلق سامٍ، و لأجل صراحته هذه مُنع في السنوات الأخيرة من التدريس و الخطابة.

4 – إنه صاحب المدرسة السلفية، التي جمعت بين صفاء العقيدة، و حسن السلوك، و لطافة العرض، و صدق الدعوة، و سلامة المنهج؛ لأن صاحبها كان كذلك، بل كان رحمه الله هو تلك المدرسة.

و مع هذا فقد كان رحمه الله إذا سئل: هل أنت سلفي؟ يجيب: أنا لا أقول عن نفسي إني سلفي، بل لا أملك ذلك، و إنما أحاول قدر ما أستطيع أن أعمل بمنهج السلف و أقوالهم، هذا و هو المتبع لآثار سلف الأمة حقيقة: عقيدة و خلقا و فقها و منهجا ..

هذا هو شيخنا و معلمنا عبد القادر الأرنؤوط، بهذا عرف و اشتهر، و اسمه في الأوراق الثبوتية: قدْري بن صوقل بن عبدول بن سنان ..

و الأرنؤوط جنس تندرج تحته شعوب كثيرة: الألبان و اليوغسلاف و غيرهم ..

ولد شيخنا العلامة الحافظ، المحدث الفقيه المتبصر، الحكيم الورع، و الداعية النبيل – نحسبه كذلك و لا نزكيه على ربنا – بقرية فريلا من إقليم كوسوفا من بلاد الأرنؤوط سنة 1347 هـ - يعني عام 1928 م.

وقد هاجر شيخنا إلى دمشق بصحبة والده و بقية عائلته و سنه ثلاث سنوات من جراء اضطهاد المحتلين الصرب – أذلهم الله - للمسلمين الألبان، و بقي عمه الشيخ نذير هناك مع بقية العائلة يجاهد الصرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير