أ - أنّ دراسة حال الراوي ليست بالأمر الهيّن - كما يظن البعض - بل ربما راجع الباحث عشرات الكتب، ودرس عشرات الأسانيد للبحث عَنْ فائدة معينة، أو التحقق منها، وربما بدأ بدراسة حال الراوي من مولده ونشأته إلى وفاته لاستخلاص حكم دقيق لحاله، وتأمل حال السلف في هذا الباب:
1 - قال محمدُ بنُ إبراهيم بن أبي شيخ الملطي: «جاء يحيى ابن معين إلى عفّان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة فقال: أما سمعتها من أحد؟ قال: نعم حدثني سبعة عشر نفساً عَنْ حماد، قال: والله لا حدثتك، فقال: إنما هو درهم، وأنحدرُ إلى البصرة فأسمع من التبوذكيّ قال: شأنك، فانحدر إلى البصرة، وجاء إلى التبوذكي، فقال له: أما سمعتها من أحد؟ قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر وأنت الثامن عشر، قال: وما تصنع بهذا؟ قال: إنّ حماد بن سلمة كان يخطئ فأردت أن أميّزَ خطأه من خطأ غيره؛ فإذا رأيتُ أصحابه اجتمعوا على شيء علمتُ أنّ الخطأ من حماد نفسه ... » (48).
2 - قال ابن حبان: «ولقد دخلتُ حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً؛ ولكنه كان مدلساً .. » (49).
ب - أنَّ من يعتمد على الكتب المتأخرة فقط - كما هو الجاري في كثير من الأحيان - دون الرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة من تواريخ وسؤالات وعلل وغيرها قد قصّر وربما فاته الشيء الكثير عَنْ هذا الراوي المعين، والله المستعان.
3 - ذكر الرواة عَن المدار وبيان اختلافهم عنه:
بعد تحديد المدار، وبيان درجته في الرواية ذكر يعقوب بن شيبة الرواة عَن المدار وبين اختلافهم فقال: «فاختلف عنه فيه، فرواه عَنْ عاصم: عبيد الله بن عُمَر، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة؛ فأمَّا عبيدُ الله بن عُمَر فإنه وَصَله وجوّده، فرواه عنه عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة، عَن أبيه، عَن عُمَر (50) عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر فيه عُمَر، رواه مرة أخرى عَنْ عُمَر عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -». وقال الدّارقُطنيّ: «حدّث به عنه: عبيد الله بن عُمَر ومحمد بن عجلان وسفيان الثوري وشريك بن عبد الله، واختلف عنهم ... ».
فالخطوة الثالثة ذكر الرواة عَن المدار وبيان اختلافهم واتفاقهم عَن المدار، قال ابن حجر: «فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف» (51) ويراعى هنا أمور:
1 - التأكد من سلامة الإسناد إلى الراوي عَن المدار، وأنه ثابت عنه؛ فإن لم يكن ثابتاً فلا يعتمد عليه ولا يذكر إلاّ من باب التنبيه عليه.
2 - التأكد من عدم وجود اختلاف على الراوي عَن المدار؛ فإن كان هناك اختلاف يُدْرس للتحقق من الرواية الراجحة.
3 - دراسة حال الراوي وبيان درجته من حيثُ الرواية، ولا يتوسع في ترجمته بل يذكر ما يفي بالغرض.
4 - ترتيب الروايات عَن المدار حسب الاتفاق والاختلاف؛ فيُقال مثلاً: اختلف عَن الزهري على خمسة أوجه:
الأوّل: رواه فلان، وفلان - في الراجح عنه - عَن الزهري ..... يذكر الوجه.
الثاني: رواه فلان، وفلان - في الراجح عنه - عَن الزهري ..... يذكر الوجه. وهكذا.
4 - الموازنة بين الروايات وبيان الراجح وأسباب الترجيح:
بعد الخطوات السابقة بين يعقوب بن شيبة، والدّارقُطنيّ أنّ سبب الاضطراب في الحديث من عَاصِم بن عُبَيد الله نفسه لا من الرواة عنه، وذكَرَا ما يدلُّ على ذلك فقالَ يعقوبُ: «ولا نرى هذا الاضطراب إلا من عَاصِم، وقد بين ابنُ عيينة ذلك في حديثه قال علي بن المديني: قال سفيان بن عيينة: كان عَاصِم يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر بن ربيعة عَنْ أبيه عَنْ عُمَر ومرة يقول: عَنْ عبد الله بن عَامِر عَنْ عُمَر ولا يقول عَن أبيه»، وقال الدّارقُطنيّ: «ورواه سفيانُ بنُ عيينة عَن عَاصِم فجوَّد إسناده وبين أن عاصماً كان يضطرب فيه؛ فمرة ينقص من إسناده رجلاً ومرة يزيد ومرة يقفه على عُمَر ... ».
¥