تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال محمدُ بنُ صالح الكِيلِينِي: «سمعتُ أبا زرعة وقالَ لهُ رجلٌ: ما الحُجةُ في تعليلكم الحديث؟ قال: الحجة أنْ تسألني عن حديثٍ لهُ عِلةٌ فأذكرُ علتَه ثم تقصدُ محمد بن مسلم بن وارة، وتسأله عنه، ولا تخبره بأنّك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصدُ أبا حاتم فيعلله، ثم تميزُ كلامَ كلّ منّا على ذلكَ الحديث، فإنْ وجدتَ بيننا خلافاً في علته، فاعلم أنّ كلاً منا تكلم على مراده، وإنْ وجدتَ الكلمة متفقة، فاعلمْ حقيقةَ هذا العلم، قال: فَفَعَلَ الرجلُ، فاتفقت كلمتُهم عليه، فقال: أشهدُ أنَّ هذا العلمَ إلهام» (60).

9 - أنّ تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ - في الغالب - على الاختصار، والإجمال، والإشارة، فيقولون مثلاً: «الصواب رواية فلان»، أو «وَهِمَ فلان» أو «حديث فلان يشبه حديث فلان» أو «دَخَلَ حديثٌ في حديث» ولا يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول - مع وجودها عندهم واستحضارهم إياها - وسببُ ذلك أنّ كلامهم في الغالب موجه إلى أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل والإشارة فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام للعلة وذكرها، وقد خشي الأئمة من أنْ يساء الظن بهم إذا تكلموا بهذا الفن عند من لا يحسنه ولا يفهمه.

قالَ الإمامُ مسلم بنُ الحجاج: «أمّا بعد: فإنك - يرحمك الله - ذكرتَ أنّ قِبَلكَ قوماً ينكرون قولَ القائلِ مِنْ أهلِ العلم إذا قالَ: هذا حديثٌ خطأ، وهذا حديثٌ صحيحٌ، وفلانٌ يخطئ في روايته حديث كذا، والصوابٌ ما روى فلانٌ بخلافهِ، وذكرتَ أنهم استعظموا ذلكَ مِن قولِ من قاله ونسبوه إلى اغتيابِ الصالحين مِن السلف الماضين، وحتى قالوا: إن مِن ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، ومدعٍ علمَ غيب لا يوصل إليه، واعلم - وفقنا الله وإياكَ - أنْ لولا كثرة جهلة العوام مستنكري الحق ورايه بالجهالة (61) لما بان فضل عالم على جاهل، ولا تبين علم من جهل، ولكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه، وضد العلم هو الجهل؛ فكلُّ ضد نافٍ لضده، دافع له لا محالة، فلا يهولنك استنكار الجهالِ وكثرة الرعاع لما خص به قوم وحرموه؛ فإن اعتداد العلم دائر إلى معدنه، والجهل واقف على أهله» (62).

وقال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: «لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأنَّ علم العامة يقصر عَنْ مثل هذا» (63) - وانظر تعليق ابن رجب على كلام أبي داود في شرح العلل (64) -.

وقد حصل ما خشي الأئمة منه فتجد بعض المشتغلين بالحديث - فضلاً عَنْ غيرهم - يُغْلظ القول للأئمة عند نقله تعاليلهم للأخبار وأنه ما هكذا تُعل الأخبار ونحو ذلك من العبارات؛ لعدم فهمه لمرادهم وكيفية معرفة ذلك، وفي الأمثلة التطبيقية سأذكر حديثاً قال عنه أبو حاتم: «والحديثُ عندي ليس بصحيح كأنه موضوعٌ» فتعقبه بعضُ المعاصرين بقولهِ: «كذا قال أبو حاتم - رحمه الله - في العلل، وهل نترك ظاهر إسناد الحديث لكلام الإمام الحافظ أبي حاتم الرازي: (كأنه موضوع) أم نحكم بصحة الحديث بناءً على ظاهر إسناده؟!! علمها عند ربي، ولكن ما شهدنا إلاّ بما علمنا وما كنا للغيب حافظين. فحكمنا على الإسناد بظاهر الصحة وتركنا ما وراء ذلك» - راجع كلام مسلم وتأمله!! -.

وهنا كلامٌ نفيسٌ لابنِ رجب أرى لزاماً عليَّ أنْ أذكره بطولهِ؛ لأنَّه يُعبر عَنْ مرادي في هذا البحث، ومقصدي منه. قالَ: «عَنْ أبي هريرةَ - رضي اللهُ عنه - عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا حُدِّثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوه، فإني أقولُ ما يُعرف ولا ينكر، وإذا حُدِّثتم عني بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فلا تصدقوا به؛ فإني لا أقولُ ما يُنكر ولا يُعرف»، وهذا الحديثُ معلولٌ أيضاً، وقد اختلفوا في إسنادهِ على ابنِ أبي ذئب، ورواهُ الحفاظُ عنه عَنْ سعيد مرسلاً، والمرسلُ أصحُّ عند أئمة الحفاظ منهم: ابن معين والبخاري وأبو حاتم الرازي وابن خزيمة وقال: «ما رأيتُ أحداً من علماءِ الحديث يثبت وصله».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير