تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كذلك باستعداء السلطة عليه من خصومه الذين نابذ ما هم عليه في الاعتقاد والسلوك والتمذهب عسى أنْ يفتر عنهم، وأنْ يُقصر لسانه وقلمه عمَّا هم عليه، لكنه لا يرجع» (3).

- وهذا المُعجب لا يقنع بأن يكونَ عضواً في لجنة، بل لا بدَّ أن يكون رئيساً يُرجع إليه في هذه اللجنة. فليتنبه الدعاة الفضلاء الذين يتنافسون على رئاسة المراكز الإسلامية لهذا المدخل على قلوبهم، والذي ربما كان على حساب دينهم وقلوبهم، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إبراهيم الكَرْجيّ (4)، يَقولُ لسبط أخيهِ ـ والنّاس ينتابون بابه على طبقاتهم لسؤدده ـ: يا أسفي على ابن أبي القاسم! سَالَ بهِ السيلُ أينَ هُوَ ـ والحالة هذه ـ مِنْ دِينهِ؟ وكان يقولُ إذا خلا بهِ: يا بنيَّ! عليك بدينك؛ فإن خَفْقَ النّعالِ خَلْفَ الإنسان وعلى بَابِ دَارهِ مَعَاول تهدم دينه وعقله (5).

- ورأيه هو الصواب المعتمد، ورأي غيره خطأ دائماً.

- وأيّ كتابٍ أوْ مَقال يُعْرضُ عليه: ضعيف.

- وأي محاضرة: هزيلة.

- وأيّ عالمٍ أو طالبِ علمٍ أو داعيةٍ: منهجه كيتَ وكيت .. ، عنده قصور في كذا وكذا .. مِنْ غيرِ عَدلٍ ولا نَصَفة.

فهو لا يبقي ولا يذر.

عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وعنده رَجلٌ، تخوَّفتُ إنْ قمتُ مِنْ عنده أنْ يَقَعَ فيَّ، قَالَ: فَجَلَستُ حَتى قَامَ؛ فَلمَّا قَامَ ذَكرتُهُ لإيَاس قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظر في وَجهي، وَلا يقولُ لي شيئاً حَتى فَرغتُ، فَقَالَ لي: أغزوتَ الدَّيْلمَ؟ قُلتُ: لا، قَالَ: فغزوتَ السِّند؟ قُلتُ: لا، قَالَ: فغزوتَ الهند؟ قُلتُ: لا، قَالَ: فغزوتَ الرُّوم؟ قُلتُ: لا، قَالَ: يَسْلمُ مِنْكَ الدَّيلم والسِّند والهند والرُّوم، وَلَيسَ يَسْلمُ مِنْكَ أَخُوكَ هذَا؟!! قَالَ: فلمْ يَعُدْ سُفْيَانُ إلى ذاكَ» (6).

2 - وصنفٌ بالغَ في الحذر والتحري حتى وصل به الأمر إلى ترك بعض العبادات والعمل، وربما حصل لهذا الصنف نوعٌ من الوسوسة، وقد قال بعضُ العلماء: الوسوسة إنما تحصل للعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب.

قال ابنُ رَجَب: «والقدرُ الواجبُ مِن الخَوفِ مَا حَمَلَ عَلَى أداءِ الفَرائضِ وَاجتنابِ المَحَارمِ؛ فَإنْ زَادَ عَلَى ذَلكَ بحيث صَارَ بَاعِثاً للنّفوسِ عَلَى التشميرِ في نوافل الطاعاتِ وَالانكفافِ عَنْ دقائق المكروهاتِ وَالتبسطِ في فُضولِ المُبَاحاتِ كَانَ ذَلكَ فَضْلاً مَحْموداً، فَإنْ تَزايدَ عَلَى ذَلكَ بأنْ أورثَ مَرَضاً أوْ مَوتاً أوْ هَمّاً لازماً بحيث يَقْطعُ عَنْ السّعي في اكتسابِ الفضائلِ المطلوبةِ المحبوبةِ لله ـ - عز وجل - ـ لم يكنْ مَحْموداً ... ، والمقصودُ الأصلي هُوَ طاعةُ الله ـ - عز وجل - ـ وَفعل مراضيه ومحبوباته، وترك مناهيه ومكروهاته، وَلا نُنكر أنَّ خشيةَ اللهِ وَهيبته وعظمته في الصدور وإجلاله مقصودٌ أيضاً، ولكن القدر النافع من ذلكَ مَا كَانَ عوناً عَلى التقرب إلى الله بفعل ما يحبه، وترك ما يكرههُ، وَمَتى صَارَ الخوفُ مانعاً مِنْ ذلكَ وقاطعاً عنه فَقد انعكس المقصود منه، وَلكنْ إذَا حَصَلَ ذَلكَ عَنْ غَلَبة كَانَ صاحبه مَعْذوراً» (7).

3 - وصنفٌ توسط واعتدل فلم يُغِفل هذا الجانب، وكذلك لم يبالغ في الحذر، بل يعملْ ويدعُ، ويتحرز من تقلُّب القلب؛ فهو دائماً يدعو: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ. وَمِنْ عَلاَمةِ هذا الصنف أنَّه لا يبالي إذا ظَهَرَ الحق والخير على لسان مَنْ كان. قال الإمام الشافعي: «ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفَّقَ ويُسدَّد ويُعان، وما كلمت أحداً قط إلا ولم أبالِ بَيّنَ الله الحق على لساني أو لسانه» (8)، وقال أيضاً: «ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ».

فأسأل الله - تعالى - مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ أنْ يثبتَ قَلْبِي وَقَلْبَكَ عَلَى دينهِ، وأنْ لا يزيغه عَنْ سبيل الهدى والإيمان بعد أنْ هداه.


¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير