14].
ومن ثم كثرت الدراسات القرآنية، وأصبحت المكتبة القرآنية تستقبل كل يوم مواداً جديدة من عالم المطبوعات، ونظرة خاطفة إلى فهارس المكتبة تنبيك بكثرة ما كتب في هذا المجال، وإن كان في الحقيقة قليلاً على مادة القرآن. ولشدة عناية الكاتبين بهذا الفن من التفسير قام جمع من الباحثين بخدمة هذا اللون من التفسير بوضع فهرسة للقرآن على حسب الموضوعات منها ما هو في عداد المخطوطات، ومنها ما طبع ككتاب المستشرق "جون لابوم " والذي عنوانه (تفصيل آيات القرآن الكريم)، وقد ترجمه إلى العربية محمد فؤاد عبد الباقي وترجم المستدرك الذي وضعه (إدوار مونتيه) وخرجا في كتاب واحد، وهو خطوة أولى في طريق طويل لا بد وأن تجد مستدركاً ومعقباً كعادة ما يكتب أولاً.
ثالثاً: ألوان التفسير الموضوعي:
الأول: أن يتتبع الباحث لفظة من كلمات القرآن الكريم، ثم يجمع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقاتها من مادتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها. وقد أصبح كثير من الكلمات القرآنية مصطلحات قرآنية كـ (الأمة، والجهاد، والذين في قلوبهم مرض، والخلافة .. )، وهذا اللون كما ترى قد اهتمت به كتب الأشباه والنظائر إلا أنها بقيت في دائرة الكلمة في موضوعها، ولكن يحاول مؤلفوها أن يربطوا بينها في مختلف السور، مما أبقى تفسيرهم للكلمة في دائرة الدلالة اللفظية ..
أما المعاصرون فقد تتبعوا الكلمة وحاولوا الربط بين دلالاتها في مختلف المواطن، وأظهروا بذلك لوناً من البلاغة والإعجاز القرآني، وقد كان من نتائجها استنباط دلالات قرآنية بالغة الدقة، لم يكن بمقدورهم العثور عليها لولا انتهاجهم هذا السبيل، وممن اعتنى بهذا اللون من المعاصرين الدكتور أحمد حسن فرحات في سلسلة سماها (بحث قرآني وضرب من التفسير الموضوعي) أصدر منها كتاب (الذين في قلوبهم مرض)، و (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، و (الأمة في دلالاتها العربية والقرآنية) وغيرها ..
الثاني: تحديد موضوع ما، يلحظ الباحث تعرض القرآن المجيد له بأساليب متنوعة في العرض والتحليل والمناقشة والتعليق، أو تطرأ مشكلة أو تطرح قضية فيراد بحثها من وجهة نظر قرآنية وهنا نشير إلى عجيبة من عجائب القرآن الكريم المعجزة، تدلنا على أن القرآن دستور حياة، ومنهج عمل، فيه الشمول والعموم والكمال والبيان.
خلاصتها: أنه ليس بمستغرب أن يجد باحث اهتمام القرآن صريحاً بموضوع معين فيرى جوانب معالجة الموضوع ودراسته في القرآن كافية وافية، ولكن الغريب حقاً أن تقترح موضوعاً فتلج إلى عالم القرآن كأنما أنزل فيه فيدهشك أن الموضوع قد استوفيت جوانب دراسته في القرآن كأنما أنزل القرآن من أجله.
وطريقة الكتابة في هذا اللون تتم باستخراج الآيات التي تناولت الموضوع، وبعد جمعها والإحاطة بها تفسيراً وتأملاً يحاول الباحث استنباط عناصر الموضوع من خلال ما بين يديه من آيات، ثم ينسق بين تلك العناصر بحيث يقسمها إلى أبواب وفصول حسب حاجة الموضوع ويقدم لذلك بمقدمة حول أسلوب القرآن في عرض أفكار الموضوع.
ويكون منطلق العرض والاستدلال والدراسة هو آيات القرآن الكريم لا غير، مع ربط كل ذلك بواقع الناس ومشكلاتهم، وإن ذكر شيء من غير القرآن في الموضوع فيذكر من باب الاعتضاد لا الاعتماد.
وعلى الباحث أن يتجنب خلال بحثه التعرض للأمور الجزئية في تفسير الآيات، فلا يذكر القراءات، ووجوه الإعراب ونحو ذلك إلا بمقدار ما يخدم الموضوع ويتصل به اتصالاً أساسياً مباشراً. والباحث في كل ذلك يهتم بأسلوب العرض لتوضيح مرامي القرآن وأهدافه ومقاصده، ليتمكن القارئ من فهم الموضوع وإدراك أسراره من خلال القرآن بجاذبية العرض الشائق وجودة السبك والحبك ورصانة الأسلوب ودقة التعبيرات، وبيان الإشارات بأوضح العبارات. وهذا اللون من التفسير الموضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص، وحتى أن اسم (التفسير الموضوعي) لا يكاد ينصرف إلا إليه، والمتتبع لهذا يجده جلياً، وسبب ذلك يتلخص في أمرين:
ا - غزارة الموضوعات التي طرقها القرآن وأشبعها دراسة وبحثاً.
¥