تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان الشيخ يراسل المدعوين، سواء كانوا من طبقة العلماء أو طلاب العلم أو الأمراء والأعيان أو عموم الناس، وكان الشيخ يدرك ما لهذه الوسيلة من أثر بالغ في مخاطبة المدعو والوصول إلى عقله وقلبه، وتحريك عوامل التأثر في نفسه، وكانت أحياناً جواباً لخطاب أرسل إليه، أو دفعاً لشبهة، أو حلاً لمعضلة، أو دعوة مباشرة، أو إيضاحاً لحقيقة ما يدعو إليه وإزالة الغبش الذي يطرح حوله، وغالب تلك الرسائل كان بعد المعاهدة المشهورة التي وقعت بينه وبين الإمام محمد بن سعود، وكان _رحمه الله_ يطلب أحياناً من بعض الشخصيات المهمة التعليق على رسائله أو تقريظها ليكون سبباً لقبولها، وكان يأمر بنسخ بعض رسائله المهمة لتبعث إلى الأقطار لقراءتها على الناس، وقد أفاض الأستاذ عبد المحسن الباز في رسالته الآنفة الذكر في هذا الجانب بما لا مزيد عليه، وقد بلغت رسائل الإمام الشخصية ستاً وستين رسالة ضمنها الكثير من الأساليب والمضامين الدعوية المهمة.

10 – الدعوة الفردية:

وهي الدعوة الموجهة إلى فرد بعينه يستعمل فيها الداعية عدداً من الأساليب والوسائل للتأثير عليه، وهذا النوع من الدعوات من أنفع الأساليب في التأثير على المدعوين وكسبهم وإقناعهم وإزالة الحواجز الوهمية بينهم وبين الداعية، وتحتاج من الداعية إلى مخالطة المدعو والتعرف على أحواله وأخلاقه، وقد كان ا لمجدد - رحمه الله – يمارس هذا الدور بقوة وكسب عن طريقه أنصاراً كان لهم أعظم الأثر في نشر الدعوة، ومن ذلك:

لما قام الشيخ بترك حريملاء قاصداً العيينة نزل على أميرها عثمان بن معمر، وعرض عليه دعوته ونصرته، ووعده بالعز والتمكين إن هو نصر دين الله، وقَبِل ابن معمر ذلك ونصر الدعوة إلا أن تهديدات أمير الأحساء خوفته، ولذا قام الإمام بزيارة ابن معمر ووعظه وذكره بالله، ودعا مرة أحد المدعوين لزيارته، وأخبره أن الأمر إن كان شاقاً عليه فإن الإمام سيتوجه إليه ويزوره بنفسه، بل كان - رحمه الله – يدعو مخالفيه إلى الجلوس معه للمناقشة وإزالة الإشكال.

ولا يخفى أن كثيراً من الوسائل تبقى صامتة تخاطب عقل المدعو دون أن تحرك عواطفه وحواسه ولا يتعرف المدعو على الداعية إلا من جانب واحد لكن عبر اللقاء تزول كثير من الأوهام ويتعرف المدعو بحواسه كلها سمعه وبصره وفكره وقلبه على الداعية، وهذا أبلغ في التأثير وأوقع في النفس ولذا لما أطال في إحدى رسائله إلى عبد الله بن عيسى وابنه عبد الوهاب اعتذر عن الإطالة خوفاً مما قد تحدثه من سوء الفهم وأكد على ضرورة اللقاء، فقال: "وأخاف أن يطول الكلام فيجري فيه شيء يزعلكم، وأنا فيّ بعض الحدة، فأنا أشير عليكم وألزم أن عبد الوهاب يزورنا، سواء كان يومين وإلا ثلاثة، وإن كان أكثر يصير قطعاً لهذه الفتنة، ويخاطبني وأخاطبه من الرأس" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/ 315).

11 - الفتاوى:

لم يكن الشيخ داعية محنكاً فحسب، ولكن كان عالماً متضلعاً من فنون الشريعة متأهلاً للفتيا، رحل في طلب العلم ولقي المشايخ الكبار وقرأ الأمهات وحصل المطولات، ولذا تلقى الناس فتاواه بالقبول، وراسلوه طلباً للإجابة على أسئلتهم، وقد استثمر الشيخ هذا الجانب في نشر دعوته وبيانها وإزالة اللبس عنها وكان لبعض فتاواه أثر كبير في هداية بعض المدعوين واستبانة الحق لهم بعد أن أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع وقوبلت بتأييد ورد عريضين، ومن ذلك: أنه لما كان في العيينة أفتى بكفر بعض الطواغيت الذين زينوا للناس أن يصرفوا لأشخاصهم بعض العبادة التي لا تكون إلا لله، فأشكل الأمر على بعض علماء الدرعية وأئمة المساجد فيها فأرسل لهم الشيخ رسالة يوضح لهم فيها حقيقة القضية ويبين الأدلة الشرعية للفتوى، وكانت هذه الفتوى سبباً في هداية كثير من الناس واستبانتهم للحق، ولم يكن ممن يتعصبون لآرائهم أو يتنقصون علماء الإسلام في فتاواهم، بل كان متواضعاً يخضع للحق ويعلن على الملأ قبوله متى استبان، ويقول: "فإذا أفتيت أو عملت بشيء وعلمتم أني مخطئ وجب عليكم تبيين الحق لأخيكم المسلم" (مجموع مؤلفات الشيخ 5/ 241).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير