تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يخفى أن المدعو يتأثر كثيراً بمن ينشد الحق، ويسعى لطلبه ولا ينافح عن قول أحد لكونه معظماً عنده، ولا يطلب شيئاً لنفسه من محمدة أو جاه أو مال أو غير ذلك من مكاسب الدنيا ومراتبها، ولذا كان الأنبياء يصرحون لأممهم بأنهم لا يسألونهم على دعوتهم أجراً، قال الله _تعالى_ عن هود: "يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ" (هود:51)، ومثل ذلك ورد عن صالح وإبراهيم وغيرهم من أنبياء الله _صلوات الله وسلامه عليهم_.

17 – رد الشبهات والإجابة عليها:

لم يدع الشيخ – رحمه الله – الشبهات تعبث في قلوب الناس وتفسد عقولهم، فكان يرد على الشبهة أو الشبه، سواء أرسلت إليه أو سمعها أو كان يتوقع أن يقولها خصومه، ولذا كانت للشيخ مبادرات في رد الشبه قبل فشوها حماية للدعوة والمدعوين من التأثر بها، وكان رد الشيخ يتسم بالوضوح وعدم التعقيد فيستفيد منه العامي وطالب العلم وغيرهما، كما يقسم بالأصالة حيث يدفع الشبهة بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ لا بزخارف القول وتنميق الكلام، ولعل أوضح مثال على ذلك كتابه (كشف الشبهات)، وكتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد).

18 – استشراف المستقبل:

هذا لون من التخطيط لمستقبل الدعوة، حين يقوم الداعية بدراسة الأوضاع الراهنة فيضع بدائل متعددة يقابل بها أي طارئ يستجد على صعيد الصراع بين الحق والباطل، ولعل من أجَلِّ الأمثلة على ذلك وأوضحها: عقد صلات مع بعض أهل الدرعية قبل أن يفارق العيينة أو يطرد منها، فكانت له صلة مع آل سويلم واثنين من إخوة محمد بن سعود، وهما: ثنيان ومشاري، بل إن كتاب تفسير سورة الفاتحة كتبه الشيخ حين كان في العيينة بناءً على طلب من ابن أمير الدرعية آنذاك، وهو: عبد العزيز بن محمد آل سعود.

19 – هجر المكان الذي لا يقبل الدعوة:

إن هجر الداعية للمكان الذي رفض الدعوة أو تردد في قبولها ولم يعرها اهتمامه، والبحث عن مكان آمن يستقبل الدعوة ويهيئ الجو المناسب لانتشارها، ولذا خرج الشيخ من حريملاء إلى العيينة؛ لأن بعض أهلها هموا بالاعتداء عليه، ولأن أمير العيينة تأثر بدعوة الشيخ وقبلها فكانت الفرصة مناسبة للانتقال؛ لأن المقصود نشر الدعوة وقيامها، وهجر الأوطان من أشق الأمور على النفوس وأصعبها، لكن الذي يحمل هم إصلاح الخلق ورفع راية الحق لا يبالي أي أرض حلّ ما دامت مصلحة الدعوة تقتضي ذلك، ولما حصل التهديد لأمير العيينة حول الشيخ وأمره بالخروج منها خرج إلى الدرعية طالباً الملاذ الآمن له ولدعوته لعل الله أن يجعل ذلك سبب انتشار الدين ورفعة أمره.

20 – مراعاة أحوال المدعوين:

إن مراعاة حال المدعو ضرورة تتوقف عليها نجاحات الداعية، والفرق بين الداعية وغيره أن الداعية يتبع الحكمة ويراعي المدعو لعله يوافق من قلبه قبولاً ومن ذهنه فهماً ومن عاطفته ميلاً واستجابة، ولذا كان تعامل الشيخ مع المدعوين مختلفاً حسب أحوالهم وظروفهم ومستويات تفكيرهم ومناصبهم، ومن تأمل كتب الشيخ ورسائله وجد ذلك جلياً ظاهراً حتى إنه ليكتب بعض عباراته بالعامية لتحقيق هدفه ومراعاته لمدعويه، لا كما في كتاب تلقين أصول العقيدة للعامة، ولما خرج إلى الدرعية وتعاقد مع محمد بن سعود راعى جانب السلطة والإمارة عنده فلم ينازعه إياها أو يدعي لنفسه ما يدعو الأمير إلى التلكؤ والرد، بل حفظ للمدعو حقه ومكانته، ومن قرأ خطب الشيخ وجد هذا المعنى في خطبه من مراعاة أحوال المدعوين، ورسائله – رحمه الله – يختلف أسلوبها باختلاف المدعو.

وختاماً:

هذه بعض الجوانب الدعوية في دعوة الشيخ وهي غيض من فيض، وقد بقيت فيها بقية، كما أن ما ذكر يحتاج في بعض الأحيان إلى بسط وتوضيح وتمثيل، أسأل الله _تعالى_ أن يوفق للقيام بذلك، ويعين عليه ويخلص الأقوال والأعمال، والله المستعان وعليه التكلان.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير