وقال ابن باكويه الشيرازي في «أخبار الصوفية»: «حدثنا سلامة بن أحمد التكريني أنبأنا يعقوب ابن اسحاق، نبأنا عبيد الله بن محمد القرشي، قال: كنا مع سفيان الثوري بمكة، فجاءه كتاب من عياله من الكوفة: بلغت بنا الحاجة أنا نقلي النوى فنأكله فبكى سفيان. فقال له بعض أصحابه: يا أبا عبد الله! لو مررت إلى السلطان، صرت إلى ما تريد! فقال سفيان: «والله لا أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها».
حدثنا عبد الواحد، نبأنا أحمد بن محمد بن حمدون، نبأنا أبو عيسى الأنباري، نبأنا، فتح بن شخرف، نبأنا عبد الله بن حسين، عن سفيان الثوري: إنه كان يقول: «تعززوا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم».
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، نبأنا ابن حسان، نبأنا أحمد بن أبي الحواري قال: قلت لأبي سليمان تخالف العلماء؟ فغضب وقال: «أرأيت عالماً يأتي باب السلطان فيأخذ دراهمهم».
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن داود الدينوري يقول: سمعت أحمد بن الصلت يقول: «جاء رجل إلى بشر بن الحارث، فقال له: يا سيدي! السلطان يطلب الصالحين، فترى لي أن أختبئ؟ فقال له بشر: «جز من بين يدي، لا يجوز حمار الشوك فيطرحك علينا».
أخبرنا أبو العلاء، سمعت أحمد بن محمد التستري، سمعت زياد بن علي الدمشقي يقول: سمعت صالح بن خليفة الكوفي، يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: «إن فجار القراء اتخذوا سلّماً إلى الدنيا فقالوا: ندخل على الأمراء نفرج عن مكروب ونكلم في محبوس».
وقال أبو علي الآمدي في تعليقه: «حدثني أبو محمد جعفر بن مصعب ابن الزبير، عن جدة الزبير بن بكار، قال: حدثني أبو المكرم عقبة بن مكرم بن عقبة الضبي عن بريد بن كميت، عن عمار بن سيف، أنه سمع سفيان الثوري يقول: «النظر إلى السلطان خطيئة».
وأخرج ابن باكويه، عن الفضيل بن عياض، قال: «لو أن أهل العلم أكرموا على أنفسهم وشحوا على دينهم، وأعزوا العلم وصانوه، وأنزلوه حيث أنزله الله، لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقاد لهم الناس، واشتغلوا بما يعنيهم، وعز الإسلام وأهله لكنهم استذلوا أنفسهم ولم يبالوا بما نقص من دينهم، إذا سلمت لهم دنياهم وبذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا ما في أيديهم، فذلوا وهانوا على الناس».
قال الآمدي: حدثني أبو العباس، قال: سمعت: قدم طاهر بن عبد الله بن طاهر من خراسان في حياة أبيه يريد الحج: فنزل في دار إسحاق بن إبراهيم فوجه إسحاق إلى العلماء، فأحضرهم ليراهم طاهر، ويقرأ عليهم فحضر أصحاب الحديث والفقه وأحضر ابن الأعرابي، وأبا نصر صاحب الأصمعي ووجه إلى أبي عبيد القاسم بن سلام في الحضور، فأبى أن يحضر وقال: العلم يُقصد فغضب إسحاق من قوله ورسالته، وكان عبد الله بن طاهر جرى له في الشهر ألفي درهم فلم يوجه إليه إسحاق، وقطع الرزق عنه، وكتب إلى عبد الله بالخبر فكتب إليه: قد صدق أبو عبيد في قوله، وقد أضعفت الرزق له من أجل فعله فأعطاه فأته ورد عليه بعد ذلك ما يستحقه.
وأخرج ابن عساكر، من طريق ابن وهب، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: حدثنا أبو حازم أن سليمان بن هشام بن عبد الملك قدم المدينة فأرسل إلى أبي حازم فدخل عليه فقال: فسلمت وأنا متكئ على عصاي فقيل ألا تتكلم!؟ قلت: وما أتكلم به!؟ ليست لي حاجة فأتكلم فيها، وإنما جئت لحاجتكم التي أرسلتم إليّ فيها، وما كل من يرسل إلى آتيه، ولولا الخوف من شركم ما جئتكم. إني أدركت أهل الدنيا تبعا لأهل العلم حيث كانوا، يقضي أهل العلم لأهل الدنيا حوائج دنياهم وأخراهم، ولا يستغني أهل الدنيا عن أهل العلم لنصيبهم من العلم ثم حال الزمان، فصار أهل العلم تبعا لأهل الدنيا حيث كانوا، فدخل البلاء على الفريقين جميعا. ترك أهل الدنيا النصيب الذي كانوا يتمسكون به من العلم حيث رأوا أهل العلم قد جاؤوهم، وضيّع أهل العلم جسيم ما قسم لهم باتباعهم أهل الدنيا».
وأخرج ابن أبي الدنيا، والخرائطي، وابن عساكر، عن زمعة بن صالح، قال: كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم أن يرفع إليه حوائجه، فكتب إليه: «أما بعد فقد جاءني كتابك بعزم أن ترفع حوائجي إليك وهيهات! رفعت حوائجي إلى مولاي فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك عني منها رضيت».
¥