تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الأوزاعي: «ما شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا». وقال إسحاق: «ما أسمج بالعالم يؤتى مجلسه ولا يوجد فيسأل عنه فيقال: إنه عند الأمير. وكنت أسمع أنه يقال: إذا رأيتم العالم يزور السلطان فاتهموه على دينكم. أنا ما دخلت قط على هذا إلا وحاسبت نفسي بعد الخروج، فأرمي عليها الدرك مع ما أواجههم به من الغلظة والمخالفة لهواهم». وكان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ويقول: «إن في هذا لغنى عن هؤلاء السلاطين».

وقال وهب: «هؤلاء الذين يدخلون على الملوك، لهم أضر على الأمة من المقامرين». وقال محمد ابن مسلمة: «الذباب على العذرة، أحسن من قارئ على باب هؤلاء» ولما خالط الزهري السلطان كتب له أخ في الدين: «عافانا الله وإياك يا أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن يعرفك أن يدعو لك ويرحمك، أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله لما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. واعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت، أنك أنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي، بدنوك ممن لم يؤد حقا، ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذك قطبا تدور عليك رحايا ظلمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيه إلى ضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويغتالون بك قلوب الجهال، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما أخربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعوا الصَلواةَ وَاِتَبَعوا الشَهَواتِ}، وإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداو دينك فقد دخله سقم وهيء زادك فقد حضره سفر بعيد، وما يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء والسلام».

قال: «فهذه الأخبار والآثار تدل على ما في مخالطة السلاطين من الفتن وأنواع الفساد ولكنا نفصل ذلك تفصيلا فقهيا، نميز فيه المحظور عن المكروه والمباح.

فنقول: الداخل على السلطان متعرض لأن يعصي الله إما بفعله، وإما بسكوته، وإما بقوله، وإما باعتقاده ولا ينفك عن أحد هذه الأمور.

أما الفعل: فالدخول عليهم في غالب الأحوال يكون إلى دار مغصوبة، وتخطيها والدخول فيها بغير إذن المالك حرام والتواضع للظالم لا يباح إلا بمجرد السلام. فأما تقبيل اليد والانحناء في الخدمة فمعصية.

وقد بالغ بعض السلف، حتى امتنع عن رد جوابهم في السلام. والإعراض عنهم استحقارا لهم من محاسن القربات. والجلوس على بساطهم، إذا كان أغلب أموالهم حراما، لا يجوز.

وأما السكوت فإنه يرى في مجلسهم من الفرش الحرير، وأواني الفضة والحرير والملبوس عليهم، وعلى غلمانهم ما هو حرام. وكل من رأى سيئة وسكت عليها، فهو شريك في تلك السيئة. بل يسمع من كلامهم ما هو فحش، وكذب وشتم، وإيذاء، والسكوت عن جميع ذلك حرام. فإن ما هو فحش، وكذب وشتم، وإيذاء، والسكوت عن جميع ذلك حرام. فإن قلت: إنه يخاف على نفسه، وهو معذور في السكوت فهذا حق ولكنه مستغن عن أن يعرض نفسه لارتكاب ما لا يباح إلا بعذر، فإنه لو لم يدخل ولم يشاهد لم يتوجه عليه الخطاب بالحسبة، حتى يسقط عنه بالعذر. ومن علم فسادا في موضع، وعلم أنه لا يقدر على إزالته لا يجوز له أن يحضر ليجري ذلك بين يديه، وهو يشاهده ويسكت بل يحتزر عن مشاهدته.

وأما القول: فإنه يدعو للظالم، أو يثني عليه، أو يصدقه فيما يقول من باطل بصريح قوله، أو بتحريك رأسه، أو باستبشار في وجهه أو يظهر له الحب والموالاة، والاشتياق إلى لقائه، والحرص على طول عمره وبقائه.

فإنه في الغالب لا يقتصر على السلام، بل يتكلم ولا يعدو كلامه هذا الإمام.

وأما دعاؤه فلا يحل له إلا أن يقول: «أصلحك، أو وفقك الله للخيرات أو طول الله عمرك في طاعته» أو ما يجري في هذا المجرى. فأما الدعاء له بالحراسة وطول البقاء وإسباغ النعمة، مع الخطاب بالمولى وما في معناه، فغير جائز، وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعى لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يعصى الله في أرضه». فإن جاوز الدعاء إلى الثناء فيذكر ما ليس فيه، فيكون كاذبا أو منافقا أو مكرما لظالم. وهذه ثلاث معاص، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق». وفي خبر آخر: «من أكرم فاسقا فقد أعان على هدم الإسلام فإن جاوز ذلك إلى التصديق له فيما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير