تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن الحاج في «المدخل»: «ينبغي للعالم، بل يتعين عليه أن لا يتردد لأحد من أبناء الدنيا، لأن العالم ينبغي أن يكون الناس على بابه، لا عكس الحال أن يكون هو على بابهم ولا حجة له في كونه يخاف من عدو أو حاسد وما أشبههما بمن يخشى أن يشوش عليه، أو يرجو أحد منهم دفع شيء مما يخشاه أو يرجو أن يكون ذلك شيئا لقضاء حوائج المسلمين من جلب مصلحة لهم أو دفع مضرة عنهم فهذا ليس فيه عذر ينفعه. أما الأول: فلأنه إذا أخذ ذلك بإشراف نفس لم يبارك فيه. وإذا كان خائفا مما ذكر، فذلك أعظم من إشراف النفس، وقد يسلط عليه من يتردد إليه في مصلحة عقوبة له معجلة. وأما الثاني: فهو يرتكب أمرا محظورا محققا لأجل محذور مظنون توقعه في المستقبل. وقد يكون، وقد لا يكون وهو مطلوب في الوقت بعدم ارتكاب ذلك الفعل المذموم شرعا، بل الإعانة على قضاء حوائجه وحوائج المسلمين إنما هو بالانقطاع عن أبواب هؤلاء، والتعويل على الله سبحانه والرجوع إليه فإنه سبحانه هو القاضي للحوائج، والدافع للمخاوف، والمسخر لقلوب الخلق، والمقبل بها على ما شاء، كيف شاء. قال تعالى خطابا لسيد الخلق:» لَو أَنفَقتَ ما في الأَرضِ جَميعاً مّا أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلَكِنَّ اللَهَ أَلَّفَ بَينَهُم «. فذكر سبحانه هذا في معرض الامتنان على نبيه صلى الله عليه وسلم. والعالم إذا كان متبعا له عليه أفضل الصلاة والسلام سيما في التعويل على ربه سبحانه والسكون إليه دون مخلوقاته فإنه سبحانه يعامله بهذه المعاملة اللطيفة التي عامل نبيه صلى الله عليه وسلم، ولبركة الاتباع له صلى الله عليه ويسلم بذلك من التردد إلى أبواب هؤلاء كالذي يفعله بعض الناس، وهو سم قاتل. ويا ليتهم لو اقتصروا على ما ذكر لا غير. بل يضمون إلى ذلك ما هو أشد وأشنع، وهو أنهم يقولون أن ترددهم إلى أبوابهم من باب التواضع، أو من باب إرشادهم إلى الخير إلى غير ذلك مما يخطر لهم، وهو كثير قد عمت به البلوى، وإذا اعتقدوا ذلك فقد قل الرجاء من توبتهم ورجوعهم. وقد نقل بعض علمائنا أن العدل إذا تردد إلى باب القاضي يكون ذلك حرجة في حقه وترد به شهادته. فإذا كان هذا في التردد إلى باب القاضي وهو عالم من علماء المسلمين، سالم مجلسه مما يجري من مجالس هؤلاء، فكيف التردد إلى غير القاضي، فمن باب أولى وأوجب المنع من ذلك». وقال في موضع آخر: «ينبغي للعالم أنه إذا قطع عنه معلوم المدرسة لا يترك ما كان منه من الاجتهاد ولا يتبرم، ولا يضجر لأنه قد يكون المعلوم قد قطع عنه اختبارا من الله تعالى لكي يرى صدقه في علمه وعمله، فإن رزقه مضمون له لا ينحصر في جهة غير أخرى. قال عليه الصلاة والسلام: «من طلب العلم تكفل الله برزقه» ومعناه يسره له من غير تعب ولا مشقة، وإن كان الله تعالى تكلف برزق الخلق أجمعين، لكن حكمة تخصيص العالم بالذكر أن ذلك ييسر له بلا تعب، ولا مشقة، فجعل نصيبه من التعب والمشقة في الدرس والمطالعة والتفهم للمسائل وإلقائها وذلك من الله تعالى على سبيل اللطف به والإحسان إليه وهذا من كرامات العلماء، أعني فهم المسائل وحسن إلقائها، والمعرفة بسياسة الناس في تعلمها، كما أن كرامات الأولياء فيها أشياء أخرى يطول تعدادها مثل المشي على الماء والطيران في الهواء. وينبغي له أن يصون هذا المنصب الشريف من التردد لمن يرجى أن يعين على إطلاق المعلوم، أو التحدث فيه أو إنشاء معلوم عوضه. وقد حدثني من أثق به أنه رأى بعض العلماء، وكان يدرس في مدرسة وانقطع المعلوم عنه وعن طلبته فقالوا للمدرس: لعلك أن تمشي إلى فلان! وكان من أبناء الدنيا لتجتمع به عسى أن يأمر بإطلاق المعلوم فقال: «والله إني لأستحي من ربي عز وجل أن تكذب هذه الشيبة عنده» فقالوا له: وكيف ذلك!؟ فقال: «إني أصبح كل يوم، أقول: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت» فأقول هذا وأقف بين يدي مخلوق أسأله في ذلك والله لا فعلته» والعالم أولى من يثق بربه عز وجل في المنع والعطاء، ولا عذر له في الطلب لأجل العائلة لأنه إن ترك ذلك تقية على هذا المنصب الشريف لم يضيع الله الكريم قصده وأتاه به أو فتح له من غيبه ما هو أحسن له من ذلك وأعانه وسد خلته على ما شاء، كيف شاء، وليس رزقه بمخصوص في جهة بعينها، وعادة الله أبدا المستمرة على أنه سبحانه وتعالى يرزق من هذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير