برنامجها اليومي: قرآن في قرآن
يتردد عليها لحفظ القرآن ونيل إجازات القراءات صنوف شتى من جميع الأعمار، والتخصصات، والمستويات الاجتماعية والعلمية (كبار وصغار، رجال ونساء، مهندسون، وأطباء، ومدرسون، وأساتذة جامعات وطلاب في المدارس الثانوية والجامعات ... إلخ).
وهي تخصص لكل طالب وقتًا، لا يتجاوز ساعة في اليوم يقرأ عليها الطالب ما يحفظه فتصحح له قراءته جزءاً جزءاً حتى يختم القرآن الكريم بإحدى القراءات، وكلما انتهى من قراءة منحته إجازة مكتوبة ومختومة بخاتمها تؤكد فيها أن هذا الطالب (خادم القرآن) قرأ عليها القرآن كاملاً صحيحًا دقيقًا وفق القراءة التي تمنحه إجازتها ..
تقول: ستون عامًا من حفظ القرآن وقراءته ومراجعته جعلتني لا أنسى فيه شيئًا .. فأنا أتذكر كل آية وأعرف سورتها وجزءها وما تتشابه فيه مع غيرها، وكيفية قراءتها بكل القراءات .. أشعر أنني أحفظ القرآن كاسمي تمامًا لا أتخيل أن أنسى منه حرفًا أو أخطئ فيه .. فأنا لا أعرف أي شيء آخر غير القرآن والقراءات .. لم أدرس علمًا أو أسمع درسًا أو أحفظ شيئًا غير القرآن الكريم ومتونه في علوم القراءات والتجويد .. وغير ذلك لا أعرف شيئًا آخر".
وفاء التلاميذ ..
سألتها عن تلامذتها وعلاقتهم بها فقالت: "أتذكر كل واحد منهم هناك من أعطيته إجازة بقراءة واحدة وهناك – وهم قليلون– من أخذوا إجازات بالقراءات العشر مختومة بختمي الخاص الذي أحتفظ به معي دائمًا، ولا أسلمه لأحد مهما كانت ثقتي فيه".
وتضيف: "بعضهم انشغل ولم يَعُد يزرني؛ لكن معظمهم يتصل بي أو يأتي لزيارتي والاطمئنان عليَّ بين الوقت والآخر" – وتذكر منهم بفخر عددًا من القراء والدعاة وحفظة القرآن الكريم، أحدهم نال المركز الثاني في المسابقة العالمية لحفظ القرآن الكريم التي تنظمها السعودية سنويًّا، وأشهرهم القارئ الطبيب "أحمد نعينع" الذي قرأ عليها وأخذ عنها إجازة، وكذا عدد من أساتذة وشيوخ معهد القراءات بالإسكندرية والذين لا يعطون إجازة في حفظ القرآن إلا ويضعون اسمها في أول السند المتصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
زوجات الحفاظ يغرن من الشيخة!!!
من أطرف ما روته الشيخة (أم السعد) أن زوجات بعض الحفاظ أبدين غيرتهن منها وخوفهن من أن (تخطف) منهن أزواجهن، خاصة والرجال يتكلمون عن شيختهم بفخر واعتزاز، وهو ما دفع بأزواجهن إلى اصطحابهن للدروس للتأكد من أن هذا الخوف لا مبرر له فهي ضريرة وعجوز!!
تقول: "وبعض الرجال تردد في البداية في القراءة عليَّ باعتباري (امرأة) وبعضهم امتنع، لكن الشيخ محمد إسماعيل (أشهر دعاة الدعوة السلفية بالإسكندرية) أفتى لهم بجواز ذلك عندما علم بسنيّ، بل أرسل إليّ بأهل بيته للقراءة عليّ".
مراسم "يوم الختمة" .. احتفال وهدايا
أسعد أيام (أم السعد) هو يوم (الختمة) الذي تمنح فيه الطالب الإجازة .. ورغم أنه مر عليها هذا اليوم أكثر من ثلاثمائة مرة، فإنها تحتفظ بصورة لكل إجازة منها آخرها كانت لسيدة في قراءة قالون عن نافع.
وفي يوم (الختمة) تقام وليمة، أو حفل شاي وقهوة وحلويات .. ويقدم لها صاحب الختمة هدية: جلابية، خاتم، حلية ذهبية، كل حسب استطاعته، أما أجمل هدية فكانت رحلة حج وعمرة واستضافة سنة كاملة في الأراضي الحجازية قدمها لها بعض تلامذتها، وأجمل ما في هذه الهدية بعد الحج والعمرة: "أنها راجعت حفظ القرآن الكريم، ومنحت إجازات في القراءات المختلفة لعشرات الحفاظ من كل البلاد الإسلامية: السعودية، باكستان، السودان، فلسطين، لبنان، تشاد، أفغانستان .. وأحب إجازة منحتها لطالبة سعودية لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها .. ".
المفاجأة: تزوجت ولتسامحني شيختي!!
وقبل أن أغادرها أبت أن تتركني إلا مذهولاً، فحين سألتها عن أقرب تلاميذها إليها فاجأتني بأنه "زوجها"!! الشيخ "محمد فريد نعمان" الذي كان قبل وفاته منذ خمس سنوات أشهر القراء في إذاعة الإسكندرية وهو صاحب أول إجازة تمنحها (أم السعد)، وتقول عن قصة زواجها: "لم أستطع الوفاء بالوعد الذي قطعته لشيختي (نفيسة) بعدم الزواج .. كان يقرأ علي القرآن بالقراءات .. ارتحت له .. كان مثلي ضريرًا وحفظ القرآن الكريم في سنّ مبكرة .. درَّست له خمس سنوات كاملة وحين أكمل القراءات العشر وأخذ إجازاتها طلب يدي للزواج فقبلت".
واستمر زواجهما أربعين سنة كاملة لم تنجب فيها أولادًا .. وتعلق قائلة: "الحمد لله .. أشعر بأن الله تعالى يختار لي الخير دائمًا .. ربما لو أنجبت لانشغلت بالأولاد عن القرآن وربما نسيته".
ولا تزال "الشيخة" نهرًا من العطاء يتدفق بلا توقف بالقرآن ونحوه ..
المصدر
http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2002/08/article09.SHTML