أما إذا دعت الحاجة فلا بأس، لأنها أصبغ من غيرها وأثبت وأقل تأثرا بالأوساخ والروائح غير المناسبة وروى عن جماعة من الصحابة أنهم ربطوا أسنانهم بالذهب فإذا تيسر غير الذهب من أشياء أخرى تقوم مقامها فهذا أولى وأحسن.
...
الحديث الرابع والعشرون: وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: إنا بأرض قوم أهل كتاب، أ فنأكل في آنيتهم؟ قال: ((لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها)) متفق عليه
أبو ثعلبة مشهور بكنيته، الخشني بطن قضاعة مشهور وقضاعة قيل أنها من العرب المستعربة وقيل من قحطان
واختلف المحدثون في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة ولكنه مشهور بكنيته رضي الله عنه وهو من أهل البادية وكان يعتني بالصيد وقد سأل النبي e هذا السؤال يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب يعني من اليهود والنصارى أ فنأكل في آنيتهم؟
= هذا فيه أن المؤمن يسأل أهل العلم فيما أشكل عليه يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وأهل العلم الذين نقلوا عنه وبعد وفاته يسأل العلماء فلا ينبغي إذا جهل شيئا أن يسكت بل يسأل ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)) = ((فقال لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها))
وهذا يدل على أنه ينبغي توقي أواني المشركين لأنه لا يُؤمن شرب الخمر فيها أو أكل الميتة فيها إلى غير ذلك مما يتساهلون فيه لكن إذا احتاج إليها غسلها وأكل فيها وهذا باب الند والتوجيه والأخذ بالأصلح والدليل على أنه للندب إن طعام أهل الكتاب حل لنا لأن الله أحل لنا طعامهم ونساءهم فدل على أن غسل أوانيهم ليس بواجب علينا كما أن طعامهم حل لنا نأكل في أوانيهم، إذا أباح الله طعامهم في أوانيهم دل ذلك على أنه لا يلزم الغسل
إلا إذا كان هناك أسباب توجب ذلك كوجود خمر فيها فيغسل لتطهيرها منه أ ووجود ميتة أو مات بالخنق كوقيذ أو ما أشبه ذلك مما يعتبر ميتة
وجاء في بعض الروايات عند أحمد وأبي داوود ((أنه كان يشرب فيها الخمر ويؤكل فيها الخنزير)) فقال اغسلوها فإذا كانت بهذه المثابة مما يأكلون فيه الخنزير و من الميتات التي ليس فيها ذكاة أو شرب الخمر وجب غسلها لهذا وإلا فالأصل الطهارة في الأواني والأصل أن الله أباح لنا طعامه ويكون في أوانيهم فحل لنا استعمالها لكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم التوقي والحيطة والأخذ بما هو الأسلم ولا سيما إذا كانت الطائفة التي حول الإنسان يراها تشرب الخمر في أوانيها ويستعمل فيها الميتة والخنزير فإنه في هذه الحالة يتحتم غسلها لغسل الآثار
ومما يدل على جواز استعمال أواني المشركين حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة وهذا في حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين
...
الحديث الخامس والعشرين: عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضئوا من مزادة امرأة مشركة متفق عليه في حديث طويل
شرح الحديث: وهذا الحديث حديث عظيم له شأن فإن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه أصابه ظمأ فبعث عليا رضي الله عنه وأحد الصحابة رجلين يلتمسان الماء ففي طريقهما قابلتهما امرأة بين مزاد تين على جمل لها فسألاها أين الماء قالت: عهدي به البارحة هذه الساعة يعني بينهم يوم وليلة من الماء بعيد فقالوا لها توجهي معنا قالت إلى أين قالا: إلى النبي عليه الصلاة والسلام قالت ذاك الذي يذكر أنه الساحر فذهبت معهما فلما جاءت إليه أمر بأخذ الماء من هاتين الصفيحتين وكانا مليئتين بالماء وقال للناس استقوا فاستقى الناس في أوعيتهم ما يحتاجون من الماء فطرح فيه البركة وعادت كما كانت كأنها لم تمس بشيء عادت المزادتان كما كانت ملأى فتعجبت المرأة من هذا الأمر العظيم ثم جمعوا لها ما تيسر من تمر و غيره وأعطوها لأن أهل البادية يرغبون في مثل هذه الوسائل وغيرها ولا سيما وقت الحاجة فجمعوا لها ما شاء الله ثم من تمر وغيره وأعطوها ثم انطلقت إلى أهلها وقالت: لقد جئتكم من عند أسحر الناس أو أنه هو رسول الله حقا. ثم كانت بعد ذلك سببا لإسلام قومها. لما رأت أن المسلمين يتجنبون فريقها فقال بعضهم لبعض أنهم ما تجنبونا إلا لما جرى على يد هذه الجارية ودعا بعضهم بعضا إلى الإسلام فأسلموا لما أخبرتهم بهذه
¥