ويؤكد أن عملية الإحياء هذه تتطلب مجهودات مكثفة لما فيها من تداخل واحتياج للدقة، فمثلا رؤية نشر هذا التراث غير واضحة، رغم كثرة الكتب المحققة والتى نشرت، فلا زال البعض يعتقد أن التحقيق هو نقل التراث دون فرز علمى له .. كما أن هناك مشكلة بالنسبة للمحققين، ألا وهى عدم وجود مواصفات واضحة للتحقيق، أو وجود حدود له أو قواعد لنشر التراث.
ويضيف طه كسبه: أكبر مشكلات تحقيق التراث دخول غير المتخصصين فى مجال التحقيق من أجل الشهرة والكسب المادي، مما أدى إلى فساد الكثير من هذه المؤلفات، كما أن الناشرين من تجار الكتب يسعون إلى تحقيق الربح المادى دون مراعاة لأى اعتبار آخر.
أهمية كتب التراث
أما سمير غريب ــ رئيس دارالكتب المصرية الاسبق ــ فيشير إلى أنه مؤمن تماما بقيمة الكتب التراثية وأهميتها، ويقول: لدينا فى دار الكتب ما لا يقل عن المليون ونصف المليون كتاب وأكثر من مئة ألف مخطوطة نادرة، وقد رأيت بنفسى السباق الدائر بين كل دور النشر على مستوى الوطن العربى فى إعادة تحقيق ونشر كتب التراث، لذلك لن أتردد فى جعل الأسبقية لدار الكتب المصرية، لما تمتلكه من ثروة طائلة من المخطوطات وكتب التراث، وقد ركزت فى خطتى لتطوير دارالكتب بشكل خاص على مسألة تحقيق التراث ونشره، خصوصا وأن دور النشر الآن تكسب كثيرا من تحقيق التراث ونشره .. وقد طفت بنفسى فى مركز تحقيق التراث، ووجدت فيها كوادر وكفاءات تعمل فى صمت ودأب شديدين، وهى قادرة على تحقيق ما نأمل به فى مجال تحقيق التراث.
رقابة حقيقية
أما الباحث والمحقق د. يوسف زيدان فيرى أن دور المؤسسات المعنية بتحقيق التراث ونشره لا يتعدى الدور الوظيفى والآلى الرخو الذى لا يشبع نهم القراء، ولا يتناسب مع ثراء الموروث العلمى الموجود لدينا فى كتب التراث، مؤكدا أن دور الرقابة على تحقيق التراث، مفقود يتجاهل فنية الصياغة وحرفية النقل والتطويع، فهناك العديد من الكتب التى تم تحقيقها ونشرها ومع ذلك تحتاج إلى إعادة تحقيق.
ويضيف: مسألة تحقيق التراث خرجت عن وظيفتها كوسيلة تخدم الثقافة، وأصبحت سلعة تتحكم فيها دور النشر، كما أن هذه الدور لا زالت تمارس سلطاتها كاملة على المحققين الجادين، وبالطبع المسألة بالنسبة لهم لا تتعدى الرغبة فى الربح السريع بصرف النظر عن المادة المقدمة لهم ومدى صحتها، ومدى جودة تحقيق الكتاب أو رداءة التحقيق. باختصار تحقيق التراث يحتاج إلى رقابة حقيقة.
ويتناول د. عبد الغفار هلال ــ بجامعة الأزهر ــ هذا الموضوع من زاوية أخري، ربما أكثر أهمية، حيث يشير إلى دور الباحثين الغربيين ومساهمتهم فى أزمة تحقيق التراث العربى والإسلامي، مؤكدا أن هؤلاء المستشرقين استغلوا سلطة البحث المخولة لهم، وقاموا بتنفيذ خطط محكمة لتحقيق التراث العربى بغرض النيل منه أو تشويهه، وبناء على ذلك لا يمكن الاعتماد على المستشرقين فى تحقيق التراث، لما أحدثوه من قلب للحقائق ونسبة العديد من الإنجازات العلمية المثبتة فى التراث العربى إلى علماء الغرب.
ويضيف د. هلال: لذا ينبغى إعادة النظر فى خطط تحقيق التراث، وأن أكبر خطأ ارتكب فى حق هذا التراث هو تركه فى يد الغير وخصوصا الغرب، فماذا تنتظر أمة تركت تاريخها العلمى بين يدى أمة أخرى لتعيد صياغته سوى تاريخ مشوه وحقائق ملفقة، ووجهة نظر تصور هذا التراث العلمى على نحو ساذج بسيط، ينقل الاختراعات والاكتشافات من علماء العرب القدماء وينسبها لنفسه ويظل هو يبكى على الأطلال كما يليق به؟! كل هذا وأكثر من هذا يحدث عند تحقيق أية مخطوطة تراثية تقع تحت وطأة مستشرق، حتى كتب التاريخ العلمى للبشرية فإنها منسوبة إلى الجنس الآرى فقط ويتم تجاهل كل إنجازات علماء الشرق والعالم الإسلامى بصفة خاصة.
ويختتم د. هلال بالقول إنه آن الأوان لنعيد صياغة تراثنا العلمى والحضارى بأقلامنا نحن من خلال إنشاء مؤسسة أو هيئة متخصصة لتخريج باحثين فى التراث ودارسين له على دراية كاملة بسبل تحقيقه، حتى نسترجع تراثنا الحقيقى ونخلصه من هذا التدليس الذى لحق به.
اهتمام غربي
وبرؤية موازية للرؤية السابقة يرى د. سعيد مغاورى ــ الباحث فى مجال التراث العربى والإسلامى ــ أن الغربيين اهتموا كثيرا بالتراث العربى وأنشأوا له متاحف ومؤسسات وأقساما فى الجامعات الأجنبية خاصة به، ومن خلال هذه الهيئات أنصف البعض منهم هذا التراث، وساهموا فى تحقيقه ونشره بأمانة، لكن هذا لا يمنع وجود طائفة أخرى من المستشرقين الذين أساءوا إلى هذا التراث وراحوا يتصيدون أخطاءه، لتكون هذه الأخطاء البسيطة الناتجة عن عدم الدقة فى التحقيق هى معاويل الهدم الأولى التى يستخدمها المستشرقون للنيل من قيمة هذا التراث، بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الباحثين الغربيين يسلكون مسلكا غير موضوعى أثناء نشر هذا التراث أو إعادة تحقيقه بغرض الإساءة إلى التراث العربي، لذلك لا بد من حماية التراث العربى من أخطاء المستشرقين كخطوة أولى فى سبيل تحقيقه ونشره للأجيال القادمة.
¥