تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم يرد ذكر للفظ الإشارة في القرآن الكريم إلا في موضع واحد،في سورة مريم.

وذلك قوله تعالي: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) (مريم:29)

وكان الداعي إلي الإشارة هو التزام الأمر الصادر إليها من قبل، وذلك قوله تعالي (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) (مريم:26).

وقد ظن أهلها أنها تستهزئ بهم.

يقول القرطبي: " التزمت مريم عليها السلام –ما أمرت به من ترك الكلام، ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ (إني نذرت للرحمن صوما) وإنما ورد أنها أشارت.

فيقوي بهذا القول من قال: إن أمرها بـ " قولي " إنما أريد به الإشارة، ويروي أنها لما أشارت إلي الطفل قالوا: استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها علي جهة التقرير: (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) " (17).

ففهمهم الاستهزاء من إشارتها دليل علي أن للإشارة دلالات تفهم منها، ولذلك يضيف القرطبي رحمه الله ويقول: " الإشارة بمنزلة الكلام؛ وُتفهم ما يُفهم القول، وكيف لا، وقد أخبر الله تعالي عن مريم فقال: " فأشارت إليه "؟ وفهم منها القوم مقصودها وغرضها، فقالوا: " كيف نكلم .... إلخ " (18).

وقد ورد ذكر للإشارة في سورة آل عمران ,لكنها جاءت في صوره الرمز وذلك قوله تعالى

لزكريا عليه السلام: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (آل عمران:41)

فقوله " إلا رمزا " أي: " إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما " (19).

وأصل الرمز الحركة. يقال: ارتمز إذا تحرك.

ومنه قيل للبحر: الراموز ثم اختلفوا في المراد بالرمز ههنا علي أقوال:

الأول: أنه عبارة عن الإشارة كيف كانت؛ باليد , أو الرأس , أو الحاجب , أو العين , أو الشفة.

والثاني: أنه عبارة عن تحريك الشفتين باللفظ من غير نطق , وصوت.

قالوا: وحمل الرمز على هذا المعنى أولى؛ لأن الإشارة بالشفتين يمكن وقوعها بحيث تكون حركات الشفتين وقت الرمز مطابقة لحركاتها عند النطق فيكون الاستدلال بتلك الحركات على المعاني الذهنية أسهل.

الثالث: وهو انه كان يمكنه أن يتكلم بالكلام , وأما رفع الصوت بالكلام فكان ممنوعاً منه.

فإن قيل: الرمز ليس من جنس الكلام , فكيف استثني منه؟

قلنا: لما أدى ما هو مقصود من الكلام سمي كلاماً, ويجوز أيضاً أن يكون استثناءً منقطعاً , فاما إن حملنا الرمز على الكلام الخفي فإن الإشكال زائل] (20)

وقد ذهب القرطبي – رحمه الله –على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام حيث يقول: [في هذه الآية دليل على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام , وذلك موجود في كثير من نصوص السنة , وآكد الإشارات ما حكم به النبي – صلى الله عليه وسلم – في أمر السوداء حين قال لها: وأين الله؟

فأشارت برأسها إلى السماء.

فقال: إعتقها؛ فإنها مؤمنة.

فأجاز الإسلام بالإشارة الذي هو أصل الديانة , الذي يحرز الدم والمال , وتُستحق به الجنة , وينجى به من النار , وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك , فيجب أن تكون الإشالاة عاملة في سائر الديانة , وهو قول عامة الفقهاء] (21)

ولقد تحدث القرآم الكريم عن الإشارة , وذكرها بلفظ الوحي , وذلك كما جاء في قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (مريم:11).

يقول الزمخشري – رحمه الله – [أوحى: أشار , ويشهد له: إلا رمزا] (22).

[ولا يجوز أن يكون المراد من قوله " أوحى إليهم " الكلام؛ لأن الكلام كان ممتنعاً عليه , فكان المراد غير الكلام , وهو أن يعرّفهم ذلك إما بالإشارة , أو برمز مخصوص , أو بكتابة؛ لأن كل ذلك يفهم منه المراد ....

واعلم أن الأشبه بالآية هو الإشارة لقوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) (آل عمران:41). والرمز لا يكون كناية للكلام] (23).

وعليه , فإن الإشارة في القرآن الكريم قد وردت تحت عدة أسماء:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير