تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول:لفظها الصريح , كما في: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً)

الثاني: الرمز , كما في قوله تعالى: (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً)

الثالث: الوحي , كما في قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن ْسَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (مريم:11).

وهذا الأخير هو ما نبه عليه قدامة بن جعفر في الكتاب المنسوب إليه – نقد النثر -, حيث عقد باباً بعنوان: باب من الوحي , وقال فيه: [وأما الوحي فإنه الإبانة عما في النفس بغير المشافهة , على أي معنى وقعت: من إيماء , ورسالة , وإشارة , ومكاتبة.

ولذلك قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51).

وهو على وجوه كثيرة , فمنه الإشارة باليد , والغمز بالحاجب , والإيماض بالعين , كما قال الشاعر:

وتوحي إليك باللحاظ سلامها ***** مخافة واش حاضر ورقيب (24).

فالوحي هنا هو الإشارة بالعين , وهذا يفتح الباب أمام الإشارة فلا يجعلها مقصورة على حركة اليد بل يندرج تحتها ألوان كثيرة من التعابير بأي جزء من أجزاء الجسد.

وهذا ينقلنا إلى البحث في تراث علمائنا عن هذه الدلالة , وكيف عبروا عنها , وهل لفظ [الإشارة] عندهم يحمل دلالة الحركة؟ لنر.

الفصل الأول

الإشارة في تراث العلماء


المبحث الأول: دلالة الإشارة عند الجاحظ ت/ 255 هـ

يُعد الجاحظ أول من لفت الأنظار إلى هذا النوع من البيان , وحدّ حدوده , وفصل أنواعه , وقال فيه ما لم يُسبق إليه.
والعجيب في الأمر أن علماء البيان بعد الجاحظ أعرضوا عن هذه الدلالة , وانحرفوا بها عن طريقها الذي رسمه , والأعجب منه أن بعضهم عاب على المتكلم أن يستصحب مع اللفظ إشارة باليد , أو بغيرها , وظنوا أن في ذلك عجزاً وعياً عن البيان , وتقصيراً عن امتلاك اللفظ الحامل للمراد , مع أنه شيء مركوز في الفطرة , ولذلك يقول الجاحظ: [زعمت الأوائل أن الإنسان إنما قيل له: العالم الصغير , سليل العالم الكبير؛ لأنه يصور بيده كل صورة , ويحكي بفمه كل حكاية] (25).
فتصوير المعاني باليد فطرة فطر الله الناس عليها , عند إرادة التعبير عما في النفس , ولا يمكن أن تكون الفطرة عجزاً , بل هي عون للفظ , وموافقة له , بل لا بد من صحبتها حتى لا يلتبس الأمر عند المتلقي.

توافق اللفظ والإشارة:
يرى الجاحظ أن الإشارة منها الصواب , ومنها الخطأ , وأن ذلك مرجعه إلى توافق الإشارة مع اللفظ , أو تعارضها معه.
فإذا وافقت الإشارة اللفظ صارت صحيحة , وتم للمراد أركانه , وصار المعنى بليغاً , ووصل إلى القلب في صورة بهية.
أما إذا خالفت الإشارة اللفظ , فإن المعنى يكتنفه الغموض , ويلتبس على المتلقي المراد , ويأتيه المتكلم من الباب الخطأ , فيقع في اضطراب , ويظل المعنى مطموراً؛ لأن صاحبه لم يحسن إخراجه , والإعراب عنه؛ لما بين اللفظ والإشارة من تنافر , وذاك عيب أي عيب؟!
والجاحظ يقول: [إن المعاني مستورة خفية , وبعيدة وحشية , ومحجوبة مكنونة , وإنما تحيا تلك المعاني في ذكرهم لها , وإخبارهم عنها , واستعمالهم إياها.
وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم , وتجليها للعقل , وتجعل الخفي منها ظاهراً , والغائب شاهداً , والبعيد قريباً ....
وعلى قدر وضوح الدلالة , وصواب الإشارة – الحظ هذا – وحسن الاختصار , ودقة المدخل يكون إظهار المعنى .... ] (26).
ولقد نقل الجاحظ – رحمه الله – عن [اسحق بن حسان بن قومة أنه قال: لم يفسر البلاغة تفسير ابن المقفع أحد قط.
سئل: ما البلاغة؟
قال: اسم جامع لمعانٍ تجري في وجوه كثيرة , فمنها ما يكون في السكوت , ومنها ما يكون في الاستماع , ومنها ما يكون في الإشارة , ومنها ما يكون في الحديث] (27).
وهذا نص صريح في أن البلاغة تكون في الإشارة كما هي في الكلام.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير