[تفسير موجز لسورة التكاثر من كلام ابن القيم - رحمه الله -]
ـ[ابو الحسن الأكاديري]ــــــــ[06 - 11 - 05, 08:57 م]ـ
[تفسير موجز لسورة التكاثر من كلام ابن القيم - رحمه الله -]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[تفسير موجز لسورة التكاثر من كلام ابن القيم - رحمه الله -]
قال تعالى " ألهاكم التكاثر "
قال ابن القيم: أخلصت هذه السورة للوعد والوعيد والتهديد وكفى بها موعظة لمن عقلها
فقول تعالى:" ألهاكم " أي شغلكم على وجه لا تعتذرون فيه فإن الإلهاء عن الشيء هو الاشتغال عنه فإن كان يقصد فهو محل التكليف وإن كان بغير قصد كقوله صلى الله عليه وسلم في الخميصة:" إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي " كان صاحبه معذوراً وهو نوع من النسيان
وفي الحديث:" فلها صلى الله عليه وسلم عن الصبي " أي ذهل عنه ويقال لها بالشيء أي اشتغل به ولها عنه إذا انصرف عنه.
واللهو: للقلب
واللعب: للجوارح
ولهذا يجمع بينهما، فقوله:" ألهاكم التكاثر " أبلغ في الذم من شغلكم فإن العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لاه به فاللهو هو ذهول وإعراض
والتكاثر: تفاعل من الكثرة أي مكاثرة بعضكم لبعض وتجدون أنه أعرض عن ذكر المتكاثر به إرادة الإطلاق وعمومه وإن كل ما يكاثر به العبد غير سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر.
فالتكاثر في كل شيء من مال أو جاه أو رياسة أو نسوة أو حديث أو علم ولا سيما إذا لم يحتج إليه
والتكاثر في الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعه وتوليدها
والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره وهذا مذموم إلا فيما يقرب إلى الله فالتكاثر فيه منافسة في الخيرات ومسابقة إليها.
وفي صحيح مسلم، من حديث عبد الله بن الشخير أنه " انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ " الهاكم التكاثر " قال:" يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت "
قال تعالى:" ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون "
أخبر سبحانه وتعالى أن التكاثر شغل أهل الدنيا وألهاهم عن الله والدار الآخرة حتى حضر الموت، فزاروا المقابر ولم يفيقوا من رقدة من ألهاهم التكاثر وجعل الغاية زيارة المقابر دون الموت إيذاناً بأنهم غير مستوطنين ولا مستقرين في القبور وأنهم فيه بمنزلة الزائرين يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها كما كانوا في الدنيا كذلك زائرين لها غير مستقرين فيها، ودار القرار هي الجنة أو النار.
ولم يعين سبحانه المتكاثر به بل ترك ذكره:
إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به كما يقال شغلك اللعب واللهو ولم يذكر ما يلعب ويلهون به
وإما إرادة الإطلاق وهو كل ما يكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا من مال أو جاه أو عبيد أو إماء أو بناء أو غراس أو علم لا يبتغى به وجه الله أو عمل لا يقر به إلى الله فكل هذا من التكاثر الملهي عن الله والدار الآخرة.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير أنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ " ألهاكم التكاثر " قال: بقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت "
ثم أوعد سبحانه من ألهاه التكاثر وعيداً مؤكداً إذا عاين تكاثره هباءً منثوراً وعلم دنياه التي تكاثر بها إنما كانت خدعاً وغروراً فوجد عاقبة تكاثره عليه لا له وخسر هنالك تكاثره كما خسره أمثاله وبدا له من الله ما لم يكن في حسابه وصار تكاثره الذي شغله عن الله والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه فعذب بتكاثره في دنياه ثم عذب به في البرزخ ثم عذب به يوم القيامة فكان أشقى بتكاثره إذ أفاد منه العطب دون الغنيمة والسلامة فلم يفز من تكاثره إلا بأن صار من الأقلين ولم يحظ به من علوه به في الدنيا إلا بأن حصل مع الاسفلين.
¥