((وفرض على العينين)): ألا ينظر بهما ما حرم الله وأن يغضهما عما نهاه عنه فقال تبارك وتعالى في ذلك: [قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم] الآيتين: أن ينظر أحدهم إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه من أن ينظر إليه.
وقال: كل شيء من حفظ الفرج في كتاب الله فهو من الزنا إلا هذه الآية فإنها من النظر.
فذلك ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملها وهو من الإيمان
ثم أخبر عما فرض على القلب والسمع والبصر في آية واحدة فقال سبحانه وتعالى في ذلك: [ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا]
قال: يعني وفرض على الفرج: أن لا يهتكه بما حرم الله عليه: [والذين هم لفروجهم حافظون] وقال: [وما كنتم تسترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم] الآية يعني بالجلود: الفروج والأفخاذ فذلك ما فرض الله على الفروج من حفظهما عما لا يحل له وهو عملها.
((وفرض على اليدين)): ألا يبطش بهما إلى ما حرم الله تعالى وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات فقال في ذلك: [يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق] إلى آخر الآية وقال: [فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء] لأن الضرب والحرب وصلة الرحم والصدقة من علاجها.
((وفرض على الرجلين)): ألا يمشي بهما إلى ما حرم الله جل ذكره فقال ذلك: [ولا تمشي في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض لن تبلغ الجبال طولا]
((وفرض على الوجه)): السجود لله بالليل والنهار ومواقيت الصلاة فقال في ذلك: [يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون] وقال: [وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا] يعني بالمساجد: ما يسجد عليه ابن آدم في صلاته من الجبهة وغيرها
قال: فذلك ما فرض الله على هذه الجوارح وسمى الطهور والصلوات إيمانا في كتابه وذلك حين صرف الله تعالى وجه نبيه صلى الله عليه وسلم من الصلاة إلى البيت المقدس وأمره بالصلاة إلى الكعبة وكان المسلمون قد صلوا إلى بيت المقدس ستة عشرا شهرا فقالوا يا رسول أرأيت صلاتنا التي كنا نصليها إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا؟ فأنزل الله تعالى: [وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم] فسمى الصلاة إيمانا فمن لقي الله حافظا لصلواته حافظا لجوارحه مؤديا بكل جارحة من جوارحه ما أمر الله به وفرض عليها - لقي الله مستكمل الإيمان من أهل الجنة ومن كان لشيء منها تاركا متعمدا مما أمر الله به - لقي الله ناقص الإيمان)). قال: وقد عرفت نقصانه وتمامه فمن أين جاءت زيادته؟
قال الشافعي: ((قال الله جل ذكره: [وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون] وقال: [إنهم فتية آمنوا برهم وزدناهم هدى]
قال الشافعي: ولو كان هذا الإيمان كله واحدا لا نقصان فيه ولا زيادة - لم يكن لأحد فيه فضل واستوى الناس وبطل التفضيل ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله (في الجنة) وبالنقصان من الإيمان دخل المفرطون النار
قال الشافعي: إن الله جل وعز سابق بين عباده كما سوبق بين الخيل يوم الرهان ثم إنهم على درجاتهم من سبق عليه فجعل كل امرىء على درجة سبقه لا ينقصه فيه حقه ولا يقدم مسبوق على سابق ولا مفضول على فاضل وبذلك فضل أول هذه الأمة على آخرها ولو لم يكن لمن سبق إلى الإيمان فضل على من أبطأ عنه - للحق آخر هذه الأمة بأولها.
د - قوله في الصحابة:
¥