الثاني أن ينتهي به الجوع إلى حد لو وقعت ريقته على الأرض لم يقع الذباب عليها لخلوها من آثار دسومات الطعام وقوله يشهي هو بغير تاء ويشتهي لغتان قال الشاعر:
وَلَحمُ الخَروفِ نَضيجاً ** وَقَد أوتَيتَ بِهِ فاتِراً في الشَبَمِ
فأَما البَهيضُ وَحنيانَكُم ** فَأَصبحَت مِنها كَثيرَ السَقَمِ
والشبم البارد والبهيض بالباء والضاد المعجمة الارز باللبن انشد هذه الأبيات مع أبيات بعدها الحافظ والله سبحانه وتعالى أعلم
وَإن طَعِمَت فَأسير مِن طَعامِهِم ** وَمِن شَرابِكَ لَيسَ الَعلُ كالنَهلِ
يَنبَغي لِلآكلِ عِندَ غَيرِهِ أَن يَتركَ ** من الطعام بقية وكذا من الشراب
لئلا تخجل أصحاب الطعام ولأن أكل جميع الطعام وشرب جميع الماء من اللوم.
وَلا تَكُن نَهِماً في الأَكلِ وَاقتَصَد ** وَانفي عَنِ العَرضِ وَصف الجوعِ وَالبُخلِ
إِن الرَغيبَ مَشؤمٌ في الأَنامِ فَكُن ** زَهيدَ أكلٍ تَرى في الناسِ ذا نِحَلِ
التوسط في كل شيء حسن
وقد قال الله تعالى: {وَالَّذينَ إِذا أنفَقوا لَم يُسرفوا وَلَم يَقتُروا وَكان بَينَ ذلك قَواما} [الآية: 67 - الفرقان] وقال تعالى: {وَلا تَمش في الأَرضِ مَرحا} أي مفتخرا ثم قال الله تعالى: {وَاقصِد في مَشيكِ} [الآية 18 - 19 - لقمان] أي لا تثب وثوب الشطار ولا تحسن مشية المتبخترين فينبغي للآكل أن يتوسط في أكله فلا يقصر فيه حتى ينسب إلى التحشم ولا يبالغ فيه حتى ينسب إلى الشره والجوع والبخل.
والرغيب هو الكسير الرغبة في الرغبة في الاكل والزهيد عكسه وفي الحديث أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بعبد يشتريه فوضعوا له طعاما فأكل الجميع فقال صلى الله عليه وسلم: (الرغبة من الشؤم ولم يشتره
وَإِن خَصَصتَ بِشىءٍ لا تَعُم بِهِ ** إِن العُمومَ لِمَن راعاكَ بِالنَحلِ
إذا خص المالك بعض الضيفان بنوع من الاطعمة أو بطعام أشرف من طعام من هو دونه فليس له أن يطعم منه غيره لأن القرينة قاضية بالتخصيص فلا يجوز التعميم إلالصاحب المنزل
وَلا تَكُن ضَيغَناً خَلفَ الضيوفِ وَدَع ** شَراهَة النّفسِ في الإِبكارِ وَالطِفلِ
الضيغن الرجل الذي لا يعزم عليه ولكن إذا رأى الضيوف تبعهم واستحى منه صاحب المنزل أن يمنعه من الدخول معهم وجميع ما يأكله الضيغن حرام والضيغن هو الطفيلي والطفل اواخر النهار والشراهة شلة الشهوة إلى الطعام
وَلا تُكُن في غُضونِ الأَكلِ ذا نَظَرِ ** إِلى جَليسِكَ يَغدو مِنكَ في خَجلِ
وَلا تُهَندِس بِفَيكَ الخُبز إِنّ بِهِ ** مِنَ البُصاقِ لما يَفضي إلى الجِفلِ
ينبغي للآكل حال أكله ألا يديم النظر إلى جليسه لأن ذلك يخجله فيترك الطعام قبل أن يشبع وينبغي ألا يقضم الخبز بفمه ثم يضعه في الطعام فإنه يورث قيام الجليس ويعاف الاكل من حيث أنه قد يكون فمه أبخر لأن البُصاق منفصل عن اللقمة من الفم إلى الطعام وقد سمي في كتاب عجايب الأكل هذا النوع بالمهندس من حيث أنه يصلح اللقمة ويهندسها ثم يضعها في الطعام وهو مذموم.
وَاضُمُم شِفاهَكَ عِندَ المُضغِ نَحوِ حَلا ** وَلا تَفرِقِع تَكُن كالأسود الجَعلِ
وَلا تُطَرطِش لا أكلَ الطَعامِ تَرى ** عِندَ الأَنامِ حِمارَ المَجلِسِ الحَفلِ
ينبغي للآكل أن يضم شفتيه عند الاكل لمعنيين: الأول أنه يأمن مما يتطاير من البصاق في حال المضغ وقد يقع ذلك في الطعام فيورث قنافة الثاني أنه إذا ضم شفتيه لم يبق لفمه فرقعة والأسود الجعلى بضم الجيم والعين دويبه مثل الخنفساء أكبر منها قليلا وهي خسيسة تقتا الروث وشأنها جمعه وادخاره والعرب تشبه بها من ذموا بالخساسة وقال الشاعر: اشدد يديك بزيد أن ظفرت به.
الخَرَدَبان يَجُرُ الخُبزَ يَأخُذهُ ** يَدٌ شِمالٌ وَمِن يُمناهُ مِن عَجلِ
قَد عَلِقتَ لُقمَةً وَالشَدقُ يَمضَغُ ** ما قَد حَوى قَبلَها مِن نُهمَةِ الأَكلِ
وَعَينُه حُدِقَت خُبزاً عَلى ** طَبَقِِ بُعدا لَهُ مِن أُكولِ ساءَ في المَثلِ
الخردبان هو الذي يجر الخبز خوفا أن يسبقه إليه غيره فيجعله في شماله ويأكل بيمينه قال الشاعر
إِذا ما كُنتَ في قَومٍ شهاداً ** فَلا تَجعَل شِمالَكَ خَردَباناً
والمعلق والمحدق والمشدق أوصاف ذميمة فالمعلق هو الذي يكون اللقمة في يده قبل أن يبتلع التي في شدقه ومع ذلك عينه إلى أخرى يأخذها
¥