مِن صِدقِ نِيَتِهِ دامَت ضيافَتُهُ ** إِلى القِيامِ فاتَبِع شِرعَةَ الرُسُلِ
كان أبونا إبراهيم صلى الله عليه على نبينا وعليه وسلم إذا أراد الأكل يمشي الميل والميلين يلتمس من يتغدى معه وكان يكنى [أبا الضيفان] ولصدق نيته دامت ضيافته في مشهده إلى يومنا هذا فلا تنقضي ليلة إلا ويأكل عنده جماعة ما بين ثلاثة إلى عشرة إلى مائة إلى ما لا يعلمه إلى الله تعالى قال الغزالي رحمه الله وقال قوام الموضع أنه إلى الآن لم تخل ليلة من الضيوف متجددين أبدا.
وَلا تُكَلِف لِضيَيفٍ ما سَتَطعَمُهُ ** ضِع ما تَيَسَرَ لَيسَ البِرُ في الثِقَلِ
لا ينبغي لأحد أن يتكلف للضيف بتحصيل ما ليس عنده بل يقدم إليه ما كان في وسعه ولا يتكلف له القرض والشراء بالدين ونحوه لقوله صلى الله عليه وسلم (أنا والأتقياء من أمتي براء من التكلف). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتكلفوا للضيف فتبغضوه فإن من يبغض الضيف فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه). وقال سلمان الفارسي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم له ما حضر
وفي حديث يونس النبي عليه السلام إن زاره اخوانه فقدم إليهم كسرا وجز لهم بقلا كان يزرعه ثم قال لهم: كلوا لولا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون ما حضر من الكسر اليابسة وحشف التمر ويقولون لا ندريأيهما أعظم وزرا الذي يحتقر ما يقدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده وهذا معنى قوله في البيت ليس البر في الثقل أي ليس العمل الصالح في التكليف وَإِن دَعوتَ فَلا تَحلِف عَلى أحدٍ ** وَلا لِيَأكُل فَاسمُ الله ذو جَلَلِ
في قَولِ كُلِ وائتني تُجبِر ** مِن يَدعُنا دِع القَسامَةَ وَالضيفانَ فاستَمِل
قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام الطعام أصون من أن يحلف عليه فينبغي لداعي الضيف أن لا يقسم عليه بالله بل يتلطف بقوله ائتني تجبر ونحو ذلك وإذا رآه مقصرا في الأكل كرر عليه العزيمة ولا يزد على قوله كل ثلاث مرات
والذي روى عن الحسن قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يخالفه فإنه قال لكل قادم دهشة فابدأوه بالسلام ولكل أكل حشمة فابدأوه باليمين بذكره ابن السيد في [شرح أدب الكاتب] قوله دع القسامة أي أترك الحلف فاسم الله تعالى عظيم ينبغي احترامه ولأنه قد يحلف على من لا يريد الحضور مكلفة ذلك وفيه مشقة قوله وباسم الله فاستمل أي إذا دعوت أحدا فقل باسم الله عندنا ونحو ذلك. وَاخصُص بِدَعوَتِكَ الأبرارَ وَادعهُمو ** وَدَع ذَوي الفسق تحوي الرشد
في العمل ينبغي لمريد الضيافة أن يخص بدعوته الأبرار والأتقياء دون الأشرار والأشقياء لأن الأبرار يستعينون به على المعصية فيكون معينا لهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يأكل طعامك إلا الأبرار} وعن بعض الأنبياء أنه استضافه نصراني فلم يطعمه لكفره فلما ولى النصراني بكا فأوحى الله إلى ذلك النبي أن له كذا وكذا سنة يكفر بي وأنا أطعمه وأرزقه فهلا أطعمته ساعة واحد فدعى النبي النصراني وأطعمه فسأله النصراني عن منعه أولا ودعائه ثانيا فذكر له الواقعة فأسلم النصراني.
وَكُل مَعَ الضَيفِ أَن تَلقاهُ مُحتَشِماً ** وَإِن تَكُن صائماً أَفطَرَ مِنَ النَفلِ
إن كان الضيف يستحي بمن الأكل وحدهيستحب ينبغي للمضيف أن يأكل معه فإن كان صائما نفلا أفطر وأكل معه فإن لم يفطر وشق عليه الفطر فليدع من يأكل معه
وَاحطُط بِمائِدَةِ مِلحِ الجَريشِ وَضِع ** كُلَ البُقولِ سِوى الكُراثِ وَالبَصَلِ
وَالحَلُ قالوا لَهُ أَيضاً مُناسَبَةً ** وَكَوزُ ماءٍ لِيَشفى غُصَةَ الأَكلِ
من الآداب المتعلقة بالمائدة أن يوضع عليها مع الخبز ملح وبقل يقال أن الملائكة تحضر المائدة إذا كان عليها بقل ولا تضع عليها ثوما ولا كراثا ولا بصلا ولا ما له رائحة كريهة فإن الملائكة تتأذى برائحته وفي الخبر أن المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كان عليها من كل البقول إلا الكراث وكان عليها سمكة عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وسبعة أرغفة على رغيف زيتون وحب رمان قال الغزالي في [الاحياء] فهذا إذا اجتمع فهو حسن للموافقة.
وَابدأ بِأَفضَلِهِم في الشُربِ ثُمَّ بِمَن ** عَنِ اليَمينِ وَدُر بِالطَشتِ لِلغَسلِ
¥