تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحاضر، والمستقبل، وإذا استمر قيام العقل، استمر حكم العدم أو البراءة، ضرورة، والشرع جاء مؤيداً للعقل، ابتداء وبقاء، في حكمه بالعدم الأصلي، على الخصوص، وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في اعتباره نوعاً من الاستصحاب، أو عدم اعتباره.

وبذلك يتبين لك، أن القول بكون العدم الأصلي، أو "البراءة الأصلية" نوعاً من الاستصحاب، أمر فيه نظر!

12 - العقل لا يملك إثبات الأحكام ابتداء، لأن دلالته مقصورة على العدم الأصلي، أو البراءة من التكاليف قبل ورود الشرع، ومع ذلك، فإن للعقل مدخلاً دلاليلاً في تجاوز أصل الإباحة، أو الإذن العام، إلى إيجاب أمر ثبت بمقتضى حكم العقل العلمي المتخصص، أن فيه نفعاً كبيراً، وكذلك له حكم بالمنع أيضاً في كل أمر ثبت بمقتضاه، أن فيه ضرراً بيِّناً، وإن لم يرد في الشرع دليل خاص به من نص أو إجماع أو قياس، لأن فهم نفس الشرع، وروحه العام، يوجب ذلك، ومردُّ هذا –فيما نعتقد –إلى القواعد العامة في التشريع، ومقاصده الأساسية.

-وفي هذا المعنى يقول الإمام الغزالي: " .. وإذاً النظرُ في الأحكام الشرعية، إما أن يكون في إثباتها، أو في نفيها، أما إثباتها (أي تشريعها ابتداء) فالعقل قاصر عن الدلالة عليه، وأما النفي، فالعقل قد دل عليه، إلى أن يرد "الدليل السمعي" بالمعنى الناقل من النفي الأصلي، فانتهض دليلاً على أحد الشطرين، وهو النفي (52) ".

هذا، ويؤكد الآمدي هذا الأصل، إذ يقول: "فالأصل في جميع الأحكام الشرعية إنما هو "العدم" (53) وبقاء ما كان على ما كان، إلا ما ورد عن الشارع بمخالفته –بمخالفة العدم –فإنا نحكم به، ونُبقي فيما عداه، عاملين بالنفي الأصلي (54) "

وعلى هذا يجب التمييز بين أن يحكم العقل بوجود أو ثبوت أحكام مبتدأة، بعد أن لم تكن، أي يُشرِّعها، وبين أن يحكم العقل بالعدم الأصلي، قبل ورود الشرع، فليس للعقل مدخل في الأول، أي بإنشاء أحكام جديدة لم تكن، أو تأسيس شرع جديد، لأن هذا من حق الله، ولم يجعل لأحد فيها خيرة. بل هو افتئات" على حق الله في التشريع، (إنِ الحكم إلا الله (.

أما في الثاني، فله مدخل في ذلك، إذ جاء مؤيداً له، كما قدمنا.

على أنا بيَّنا آنفاً، في بحث "الإباحة الأصلية" أو "أصل الحل العام" إلى أن يرد من الشارع ما يحرّم، استثناءً، أقول بيِّنا –استدراكاً على هذا الدليل –أن للعقل العلمي المتخصص، مدخلاً دلالياً في الاجتهاد، فيما لم يرد فيه نصٌ خاص به، أن يحكم بإيجاب أمر ثبت بالخبرة العلمية المتخصصة، أن فيه نفعاً كثيراً، أو بمنع أمر، ثبت بالنظر العقلي العلمي أيضاً، أن فيها ضرراً بيِّناً، ومردُّ ذلك –فيما نعتقد –القواعد العامة في التشريع، وهذا ينبغي ألا يكون فيه خلاف.

وفي هذا المعنى، يقول الإمام العز بن عبد السلام، بعد أن بيَّن "أن مصالح الدارين، وأسبابهما، ومفاسدهما، لا تعرف إلا بالشرع (55) يقول ما نصه: "ومن تتبَّع مقاصد الشرع، في جلب المصالح، ودرء المفاسد، حصل له من مجموع ذلك، اعتقادٌ أو عرفان، بأن هذه المصلحة، لا يجوز إهمالها، وأن هذه المفسدة، لا يجوز قربانها، وإن لم يكن في ذلك نص خاص ولا إجماع، ولا قياس خاص، فإن فهم نفس الشرع، يوجب ذلك (56) " أي باستلهام روح الشرع، ومعقوله العام، ومقاصده الأساسية، وقواعده الكلية، من قِبَلِ العقل العلمي المتخصص، بما نشأ لديه من ملكة مقتدرة، ثمرة لطول المران والتعمق في البحوث.

أما أن الشرع جاء مؤيداً لحكم العقل في هذا الصدد، فقد ذكرنا آنفاً، قوله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه، فانتهى، فله ما سلف (57) وقلنا: إن سبب نزولها خاص بشأن الأموال التي اكتسبت من الربا، قبل تحريمه، فدلت الآية الكريمة، أن ما كان منها قبل التحريم، فهو على "البراءة الأصلية" لأن حكم الآية بالتحريم، لا يشمل إلا الأموال التي اكتسبت بالربا بعد نزولها، لا قبله.

على أن خصوص السبب، لا يقضي على عموم اللفظ، كما هو معلوم أصوليا، ولا ريب، أن هذا النص القرآني، جاء تأييداً لحكم العقل بالبراءة قبل نزول الآية الكريمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير