تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

آ-أما الحكم الثابت بالإجماع، فإنه إذا انعقد على محل ذي صفة، ولم تتغير صفته، فإن هذا الحكم يستصحب، ويبقى مستمراً بالإجماع، ولا خلاف في ذلك.

ب-أما إذا تغيرت الصفة المُجمع عليها، فهل يستصحب حكم الإجماع بعد هذا التغيُّير، أو لا يستصحب؟؟.

اختلف الأصوليون في كون الحكم المجمع عليه، محلاًّ للاستصحاب، إذا انعقد هذا الإجماع ابتداء على فعل ذي صفة، ثم تَغيَّرت صفته، أثناء أدائه، وقبل اتمامه.

وصورة ذلك، أن المتيمم إذا رأى الماءَ، أثناء الصلاة، هل يمضي في صلاته حتى يُتمَّها، وتكون صحيحة، على الرغم من رؤيته الماء أثناء أدائها، استصحاباً لهذا الإجماع الذي انعقد –إبان الشروع فيها –على صحتها، ودوامها قبل رؤيته الماء، ولا يؤثر على صحتها، ودوامها، طَرَيان وجود الماء، أثناءها، فتكون صحيحة لا باطلة؟ لعدم ورود الدليل الشرعي على حكم هذه الحال من رؤية الماء أثناء الصلاة من قِبَلِ المتيمم.

1 - قال فريق من الأصوليين –ومنهم الإمام الغزالي، وأبو حنيفة –لا محل للاستصحاب في مثل هذا الإجماع، إذ قالوا: تبطل الصلاة إذا رأى الماء أثناء أدائها، ولا اعتبار للإجماع الذي انعقد على صحتها، عند الشروع فيها، قبل رؤية الماء، إذ لا يستلزم هذا الإجماع، دوام انعقاده وحكمه بعد رؤية الماء، فهو منعقد –كما يقول الإمام الغزالي (67) –في حال عدم الماء، لا في حال وجوده، إذ بوجود الماء، يرتفع الإجماع، لتغيُّر الحال، ويصبح كأن لم يكن، ولا استصحابَ يُتصوّر لإجماعٍ غير موجود!! فينبغي أن يتوضأ من جديد، ويستأنف الصلاة. –ألا ترى إلى "الخمر" قد انعقد الإجماع على تحريمها، حتى إذا تغيّرت صفتها، فصارت خلاّ، ارتفع الإجماع، ولا يستصحب، لتغيّر الصفة، وهذا التغيّر قد جعله الله تعالى قاطعاً لاستمرار الحكم المجمع عليه الأول، وهو التحريم، ومثبتاً حكماً جديداً طارئاً مضاداً للحكم الأول، فكذلك ما نحن فيه.

وكذلك "جلد الميته" نجِس بالإجماع، حتى إذا دُبغ ارتفع هذا الإجماع، لتغيّرِ صفته، وأصبح طاهراً بالإجماع، لتغيُّر الحال، لأن الدباغة حال، أو صفة طارئة لجلد الميته، قد جعلها الله تعالى عله مغيَّرة لحكم نجاستها، ومثبتة لحكم آخر جديد، يضاد الحكم الأول، ذلك مثل بسيط نورده للتوضيح.

وعلى هذا، فلا محل للاستصحاب في إجماع من هذا القبيل، بالبداهة، عند هذا الفريق.

2 - فريق آخر من الأصوليين، كالشافعي والآمدي (68)، يرى أن الإجماع إذا نعقد ابتداءً على حكم، يُستصحب هذا الحكم، ويدوم، ولو طرأ تغيّر الصفة، حتى يدل دليل من الشارع، على أن الوصف الجديد مغيَر للحكم.

وعلى هذا، فلا تبطل الصلاة –في مثالنا السابق –إذا وجد المتيمم الماء أثناءها، حتى يدل دليل من الشارع على أن رؤية الماء أثناء الصلاة مبطلة، أي مغيِّرة للحكم السابق، ولم يرد، لأن الشروع في الصلاة حالة التيمم، قد دل الإجماع على صحته ابتداء، فيبقى الإجماع مُستَصحباً، ومستمرَّ الدلالة، والحكم، على دوام الصة أثناءها، وحتى إتمام الأداء، ولو بعد طريان وجود الماء خلالها، ولا يقوى طروء وجود الماء، على قطع هذا الاستمرار، ما لم يرد من الشارع دليل على جعل هذا التغيُّر في الحال، موجباً لقطع الاستمرار!

وهذا بيِّنٌ، أن مثل هذا الإجماع محلٌّ للاستصحاب، كما ترى، خلافاً للفريق الأول.

فالخلاف في التطبيق، كما ترى، ولا خلاف في أصول القواعد، وحجيتها.

ونحن نرى، أن الرأي الأول، أقوى دليلاً، إذ سَنَنُ الشرع جارٍ على تغيُّر الحكم، إذا تغيَّرت الصفة المؤثرة في محله، ولا شك، أن الإجماع إذا انعقد على فعل أنه صحيح، في حال قيام صفة مؤثرة فيه، فإنه يزال يرتفع إذا تغيَّر الحال، أو الصفة، فحال وجود الماء، غير حال فقدانها، ولكلِّ حكم في الصلاة، والتيمم ترخيص في حال الضرورة، ولا ضرورة عند وجوده، سواء أكان عند الشروع في الفعل، أم أثناءه، لوحدة السبب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير