تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أم مريم]ــــــــ[11 - 10 - 06, 03:41 ص]ـ

بحث آخر له:

النظريّة العامّة للشريعة الإسلاميّة تحدد ذاتيتها، وطبيعة هدفها العام

ـــ د. فتحي الدريني

تمهيد في فلسفة التشريع الإسلامي:

المنهج العلمي الذي يجب اتخاذه أساساً في الاجتهاد التشريعي:

قبل أن نتناول هذا الموضوع الهام بالبحث والاستدلال أصولياً، ينبغي أن نحدِّد "طبيعة المنهج العلمي" الذي ينبغي اتخاذه أساساً فيه، إذ لا بحث بلا منهج، ضماناً لسلامة النتائج المنطقية والعلمية المترتبة عليه، وعصمةً للفكر من الوقوع في التناقض بين ماهية هذا المنهج المتَّخذ، وبين طبيعة المادة المدروسة، إذ من المقرر منطقياً، أن المنهج العلمي لدراسة مادةٍ ما، ينبغي أن يكون مشتقاً من طبيعتها.

اتخاذُ بعض فقهاء القانون الوضعي المعاصرين (1) منهجاً مادياً محسوساً قوامُه المشاهدة والتجربة في الاجتهاد التشريعي، لا يتفق وطبيعة التشريع.

تذهبُ بعضُ الفلسفات القانونية إلى أن المنهج الذي يجب أن يُصطنع في البحث والاجتهاد التشريعي والفقهي، هو أسلوب المشاهدة والتجربة، رصْداً للظواهر الاجتماعية، باعتبار أن القانون نفسه ليس إلا ظاهرة اجتماعية، مما يُشعر بقياس المنهج العلمي في البحث التشريعي على المنهج المتخذ في بحث العلوم الطبيعية، كالفيزياء والكيمياء، سواء بسواء، فيؤول الأمر حتماً إلى الجمع بين مادتين مختلفتين طبيعة ودوراً، وهدفاً، وهو ما ترفضه أصول مناهج البحث العلمي التي قامت على أساس إفراد كلِّ مادة بمنهج خاص، يشتق من طبيعتها.

هذا، والعلوم الطبيعية إذا كانت ماهيتها تقتضي أن يخضع البحث والنظر فيها لقانون "السببية" التي لا يتخلف فيه المسبَّب عن السبب الذي أحدثه، تلازماً واقعياً لا انفكاك له، بمقتضى سنة كونية ثابتة لا تجد لها تبديلاً، وأن البحث فيها لا يعدو أن يكون جُهداً فكرياً متعمقاً للكشف عن هذا الواقع القائم، لا لابتداع سُنَن أو علاقات جديدة لم تكن قائمة من قبل، مما يقتضي بالضرورة اتخاذ منهج "المشاهدة والتجربة" في المختبرات العلمية، رصداً لظواهر طَبَعيَّة واقعية تنتجها سُنَنٌ ثابتة، كما ذكرنا، ليتمكن الباحث من اشتقاق قواعد علمية كلية ثابتة، طرداً وعكساً، تحكم جزئيات موضوعها، دون تخلُّف لأيٍّ منها، إذ المسبَّبُ لا يزايلُ السبب الذي أحدثه، كما نوهنا، أقول إذا كان الأمر كذلك في العلوم الطبيعية، فإن التشريع من طبيعة أخرى لا تقتضي ذلك إطلاقاً، إذ لا يتَّسق معها، بل يرفضه، لسبب بسيط، هو أن هذا المنهج المادي المحسوس، يعتمد أموراً واقعية يَرصُدُها، إقامة للتشريع على أساسها، دون تغيير أو تقويم أو توجيه، أو تحديد لغايات مرسومة، فكان لذلك منهجاً "تقريرياً" محضاً، تفقد فيه المثل العليا، والقيم الإنسانية والمبادئ الخلقية دورها في التوجيه والتقويم، بل تفقد وجودها أصلاً، وهو ما لا يتفق وطبيعة التشريع ووظيفته في الحياة الإنسانية، وهذا، إن جاز في بعض التشريعات، فإنه لا يتأتى في التشريع الإسلامي بوجه خاص.

على أنَّ ما نقرره هنا ليس مجرد لوازم عقلية منطقية للمنهج المادي المجرَّد القائم على المشاهدة والتجربة، نستنتجها استنتاجاً، بل هو ما صرح به أنصار هذا المنهج من مثل العميد "ديجي" حيث يرى ضرورة استبعاد أن يكون للمثل العليا، والقيم الإنسانية دور في التقنين.

التشريع محكوم بقانون الغاية، فكان علماً تقويمياً لا تقريرياً.

هذا، ومما يؤكد اختلاف المادتين طبيعة ودوراً، وهدفاً، أن التشريع –كما هو معلوم- يحكم ظواهر إرادات المكلفين، وما تتجه إليه من غايات تستهدف تحقيقها، مما يعود إلى مصالحهم الذاتية المباشرة والحالَّة، عن طريق ممارستهم لما منحوا من حقوق وحريات عامة، فتغدو تلك "الغايات" المنشودة بعد تنفيذها، أوضاعاً اقتصادية، أو اجتماعية، أو سياسية قائمة، وهذا يتضح في التشريع الإسلامي بصورة أتم وأوضح، وذلك على الوجه التالي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير