تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا، وموقف الإسلام إزاء مثل هذه الحال، موقف الصادّ المجاهد العنيد، إذ يفرض الجهاد فرضاً عينياً على كل مكلف قادر، في سبيل الله، كما فرضه لإنقاذ المستضعفين في الأرض إذا استغاثوا بالمسلمين مما نزل بساحتهم من الظلم والبغي والتسلط والقهر، دون أن يكون ثمة طمع من جانب المسلمين في اعتناقهم دين الإسلام، أو في شيء من المغانم المادية، لقوله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان (إصراراً من الإسلام على وجوب محو ظاهرة البغي والاستضعاف والاستعمار في الأرض، عنوة وبقوة السلاح.

الإسلام يرفض مبدأ سياسة الأمر الواقع في المحيط الدولي:

ينتج عما تقدم، أن الإسلام –اتساقاً مع مبادئه العامة، ومقاصده الأساسية التي تنهض بمبدأ "الغائية" في العلاقات الدولية، لا يقرُّ مبدأ سياسة الأمر الواقع بإطلاق، إذ قد يكون هذا الواقع ظلماً وعدواناً مجسداً، وحكم البغي أنه يجب الانتصاف منه شرعاً، لقوله تعالى: (والذين إذا أصابهم البغي، هم ينتصرون (أي انتصافاً لأنفسهم من عدوهم" ولقوله تعالى: (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم (ولقوله سبحانه: (فمن اعتدى عليكم، فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (.

وتأسيساً على هذا، لا يجوز التحالف مع الباغي، أو مسالمته، وتظل العلاقة بيننا وبينه علاقة عداء وحرب حتى يندفع العدوان، ويرجع عن بغيه، وتزول آثاره، إذ لا قيام لسلم على هوان وظلم، في شرع الإسلام، لأن ذلك محرم قطعاً، لصريح قوله عزَّ وجل: (ولا تَهِنوا، وتدعوا إلى السلم، وأنتم الأعلون (ولأن في مسالمته إبقاءً لعدوانه، ورضا بآثاره، وتسليماً باستمرارها، وهو مناف لمقصد المشرع رأساً، ومناقض للمصلحة العامة للأمة بأسرها، وما كان كذلك فليس من الشريعة في شيء، والجزاء على هذه المناقضة لشرع الله، دنيوي وأخروي معاً لقوله تعالى: (إلاَّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً، ويستبدل قوماً غيركم، ولا تضروه شيئاً (ومعنى هذا، الخزي في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، ذلكم هو حكم الله تعالى وشرعه في هذه الحال، قطعاً، بالإجماع، لصريح ما تلونا، فالجهاد فرض عين على كافة العرب والمسلمين في بقاع الأرض، ولا سيما الدول المتاخمة لحدود العدو، أو القريبة منها.

البواعث غير الإنسانية قد تتخذ مظهراً فيما يبرم من معاهدات غير متكافئة على الصعيد الدولي:

هذا، وتبدو البواعث غير الإنسانية فيما يبرم من معاهدات غير متكافئة، استغلالاً لعنصر الضعف في الطرف الآخر، ووسيلة للاستعلاء، والإذلال والإعنات والتعجيز، ومعاناة الشقاء، تحصيلاً لمصلحة شعب على شعب بدافع عنصري مقيت، عصبية، وجهالة، ومن هنا يكون الدَّخَلُ والخداع الذي ينتاب ضمائر المتسلطين وقلوبهم، في إبرام المعاهدات، فيفسد عليهم تصرفهم حتى يلقي بهم في مراغة الإجرام الدولي الذي يستطير شره حتى يشمل بقاعاً كثيرة من شعوب الأرض، كما هو الحال اليوم في آسيا وإفريقيا، فيكون إجراماً دولياً في حق الإنسانية جمعاء، وهذا محرم قطعاً، لإهدار مصالح معظم شعوب الأرض، بغية تحقيق "مصلحة الأقوى" وهو عين السياسية "الميكافيلية (15) " التي نشأت في أوروبة، وفي إيطاليا بالذات، ولازمت هذه السياسة السياسة الدولية في هذا القرن العشرين، ولا سيما قبيل منتصفه في الحرب العالمية الثانية، من عنصرية النازية والفاشية، وفي أواخره في أيامنا هذه، من عنصرية الصهيونية.

تجد هذا محرَّماً قطعاً في مثل قوله تعالى: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دَخَلاً (16) بينكم، أن تكون أمة هي أربى من أمة (17) (.

بواعث المعنى الديني، والمثل الأعلى الأخلاقي لا تنفصل عن العمل السياسي في الإسلام، اتساقاً مع مبدأ الغائية فيه.

لعلك واجد –وأنت البصير الواعي- في ضوء ما تقدم من تحليل لفلسفة الإسلام التشريعية، أن المعنى الديني، والمثل الأعلى الأخلاقي، والقيم الإنسانية، كل أولئك لا ينفصل عن العمل السياسي، وهو –في نظرنا- صمام الأمان والاستقرار في العالم كله. هذا، ولا يتسع المقام لعرض فلسفة السياسة الوضعية، ومقارنتها بأصول السياسة في التشريع الإسلامي، فذلك رهن بمقامه من البحث والتحليل والتفصيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير