تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غيران التابعين وتابعيهم حتى القرن الرابع قد سلكوا سبيل (الاجتهاد التأصيلي) الذي قوامه ارتقاء بالفكر الاجتهادي الأصولي التشريعي بوجه عام إلى (مفاهيم أصولية عامة) و (قواعد كلية) قد اصلوها لضبط التفكير الاجتهادي، وتقويما للتفهم التشريعي وتوجيها لعملية الاستنباط، ضبطا يجعله (علمي الاتجاه)، (موضوعي النظر)، (يعلل الحكم) بما ورث عدالة التشريع، وقناعة المكلف للامتثال الطوعي (بين المقصد) توثيقا للمصالح الحقيقية المعتبرة (كلي المفهوم) تأكيدا لمنطقية التشريع!!!

الاجتهاد تكليف شرعي:

على أن هذا النوع من الاجتهاد المستقل المبكر بشقيه (التأصيلي والتفريعي) بما ينطوي على عبء من النظر ثقيل استنباطا، وتطبيقا معا ـ وعلل الاجتهاد في التطبيق لا يقل خطرا وأهمية عن الاجتهاد في الاستنباط ـ

أقول: بما ينطوي عليه هذا الاجتهاد بشقيه من النظر العقلي، والبحث الأصولي من عبء ثقيل، وبما كان يترك من (آثار) بالغة في حياة المجتمع الإسلامي سياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا إنما كان أداء لفريضة محكمة ـ وإن كانت كفائية ـ ترتقي ـ في اعتقادهم ـ إلى مستوى (العبادات) سواء بسواء، وبما أدركه الإمام الشافعي الذي يعتبر أول مدون لعلم الأصول كملا، بما ينبيء عن (نظرية عامة كاملة للشريعة) حيث يقول في كتابه (الرسالة): (إن الله تعالى ابتلى عباده بالاجتهاد كما ابتلاهم في سائر فرائضه أي: كلفهم به.

الاجتهاد والتجديد

هذا والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في عصره المبارك لا يفتأ يعلن على الملأ أن الاجتهاد بما هو ضرورة تشريعية وحيوية لتدبير شؤون الأمة فعلا ـ لا لمجرد إظهار قوة النفاذ العقلي، أو الكلمة الاجتهادية المبتكرة المبدعة ـ ولتكييف حياتها بمفاهيم الشريعة ومقتضيات بصائرها وحقائقها، وقد أكد (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن يكون اجتهادا متجددا عبر القرون؛ لتبدل الظروف وتغير المصالح صدى لسنة التطور في الحياة الإنسانية التي هي ما تقتضيه سنة العقل الانساني المبدع نفسه ثمرة في أصل فطرته، مما يتنافى مع (الجمود الفقهي) رأسا، أو (التعصب المذهبي) الذي يقتضي بطبيعته العكوف على المنقولات الاجتهادية ـ ولو كانت معرفة في القدم ـ يعكف المجتهد عليها دون نظر متجدد بما يناسب الوقائع بظروفها المستجدة في كل عصر بيئة! قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها) ولهذا يقول الإمام القرافي: (إن الجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين) غير أن (التجدد في الاجتهاد) الذي ينافي الجمود الفقهي لا ينبغي تغيير النصوص التشريعية في الكتاب والسنة، ولا يخالف عن أمرها ومقتضاها؛ لأن الشريعة الإسلاميّة قوامها هذه النصوص المقدسة الموحاة، فكان ارتباطها بها أبديا، وبيان ذلك:

إن (التجديد) الوارد في نص الحديث الشريف الذي رويناه ذو مفهوم ينبغي أن لا يعزب عن تعقل المجتهد فليس من مفهوم (التجديد) في الحديث الآنف ـ كما قلنا ـ تغيير أي نص من نصوص الشريعة ـ كتاب وسنة ـ أو العبث بمعانيها الحقيقية، أو المظنونة ظنا راجحا، أو تاويلها تاويلا مستكرها لا يجري على قواعد التأويل الأصولية إشباعا لنزعة التعصب، أو استجابة لرغبة الجمود دون نظر أو اجتهاد؛ لأن هذا أشبه ما يكون بالتقليد الذي لا يقوم على دليل ولا يدعمه برهان، وهذا محرم شرعا بالنسبة إلى المجتهد في كل عصر، إذ لا يجوز للمجتهد أن يأخذ برأي غيره ما دام هو قادر على الاجتهاد؛ ولأن رأي المجتهد الفرد لا يلزم إلاّ صاحبه تنفيذا لعملية أو فريضة الاجتهاد المستمرة أبدا، ودون توقف، والى يوم القيامة.

وإذا صح أن يوصف الإسلام بشيء فإنما يوصف بكونه دين الاجتهاد استنباطا وتطبيقا معا، ولا يغني أحدهما عن الآخر! خلاصة معنى التجديد الذي أعلنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الملأ إيذانا بوجوبه في كل عصر وعلى رأس كل مائة سنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير