تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مجلد 64، ص 192.< o:p>

( 4 ) لو فرضنا أن أم تميم ذهبت إلى خالد لتشفع في زوجها لما أمكن أن يتصور متصور - حتى في هذا الزمن - أن امرأة شريفة زوج أمير تنزين بما عندها من حلي وحلل وتذهب في الليل البهيم، فتدخل على رجل أجنبي يملك ناصيتها، وتخلو به في خيمته، لأمور: (أ) أن التجمل والتحلي إنما يكون وقت الفرح لا وقت الحزن، ولا سيما في ذلك الوقت العصيب حين أحب الأحباب إليها تحت خطر الموت، ينتظر كلمة تخرج من بين شفتي القائد تحييه أو تقتله، فتزينها في ذلك الوقت مما لا يعقله أحد يعرف عادات العرب وأحوالهم؛ لأنها لو فعلت ذلك لقضت على نفسها وعلى خالد؛ إذ الخلوة بالأجنبية - ولا سيما في الليل - فسق موجب للعزل والتعزير، ولا يمكن لامرأة عرفت بذلك أن تكون زوجة لسيد من سادات العرب، بل ولا من أوساطهم ولا لرجل عرف بذلك أن يكون أميرًا لأبي بكر.< o:p>

( ب) أن (الديمقراطية) عند العرب كانت في عنفوان شبابها، ولم يكن الجنود يخضعون ولا يطيعون الأمير إذا رأوا منه منكرًا، والدليل موجود في نفس القصة وهو شيئان: (الأول): أن بعض الجند - وهم الأنصار - اختلفوا مع قائدهم خالد في التوجه إلى البطاح [1]، فقال لهم خالد: لا أكره أحدًا منكم، أما أنا فذاهب؛ فتخلفوا عنه وذهب، ثم بعد ذلك ندموا ولحقوا به.< o:p>

( الثاني): أن أبا قتادة أعلن إنكاره على خالد في قتل مالك وأصحابه، حتى ذهب مغاضبًا له إلى المدينة، واشتكى لأبي بكر الصديق الخليفة ما رأى من خالد، واستعان بعمر واجتهدا أن يحملا أبا بكر على عزل خالد فلم يفعل.< o:p>

( ج) لو أن أبا قتادة ومن وافقه من الناقمين على خالد، وفيهم عمر بن الخطاب الذي كان كالوزير لأبي بكر، وكان إذ ذاك مجتهدًا في حمل أبي بكر على عزل خالد، وبقيت في قلبه حزازة على خالد حتى إنه حين تولى الخلافة عجل بعزله، فلو أن قتادة رأى خالدًا قد خلا بامرأة مالك ليلاً قبل عقد النكاح، بل في حياة زوجها، لأخبر بذلك عمر، وكانت حجته قائمة على فسق خالد، ثم لشنع عمر بذلك على خالد، وألزم أبا بكر عزله، فلا يجد منه بدًّا.< o:p>

( 4 ) ربما تكون العادة عند الأوروبيين - قوم الكاتب - أن المرأة إذا أرادت أن تشفع عند أمير تجملت وتزينت وتغنجت وتدللت لتسبي قلب ذلك الأمير، فيقضي حاجتها، وأما العرب فإن العادة عندهم على خلاف ذلك، فإن المرأة إذا ذهبت إلى رجل أجنبي ولم يكن أميرًا تذهب إليه حزينة متبذلة باكية حيية خاشعة، وأما المرأة التي تتزين وتتبرج وتذهب للأجانب فهي في نظر العرب بغيّ فاجرة، لا تتمكن من الدخول على الأشراف.< o:p>

( 5 ) زعم " كارهام لويس " أن تلك الليلة كانت ليلة هياط ومياط، وأكل وشرب، وسكْر ورقص، وخلاعة وبطر؛ احتفالاً بالنصر والظفر، وقد زل حماره في الطين في هذا أيضًا، ولو أشرف إشرافة على التاريخ الإسلامي أو ألمَّ إلمامة به، ولا سيما في أوله لعلم أنه كاذب، ولخجل من نفسه (كما يقول الإنكليز) قبل خجله من الناس.< o:p>

لو كانت الجنود المحمدية يا مستر كراهام تحتفل عند الانتصار بالأكل والزمر والخمر والعهر، ما أكلت جنود أسلافكم وسادتكم الذين استعبدوكم قرونًا - أعني الروم الجبابرة - في ربع قرن أو أقل على قلة عددهم وعُددهم.< o:p>

إني أرثي لجهلك يا مستر كراهام، وأتمنى أن تعلم - ولو قليلاً - سيرة محمد وأصحابه الأبرار الأطهار.< o:p>

أفتظن أن أصحاب محمد كأصحاب نابليون وكجنودكم في الوقت الحاضر: كلما انتصروا فزعوا إلى اللهو والفواحش كالدواب؟ إن أصحاب محمد كانوا يحيون لياليهم في معسكرهم بالصلاة وتلاوة القرآن اقتداء بنبيهم، اقرأ يا كراهام في سورة السجدة من القرآن: [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ] (السجدة: 16) ثم اقرأ في سورة الفتح: [مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ] (الفتح: 29) ثم اقرأ في سورة الذاريات: [كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ] (الذاريات: 17 - 19) وكذلك كان هدي نبيهم وإمامهم كما وصفه الشاعر بقوله: وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع < o:p>


(*) نشرها (كرهام لويس) المستشرق الإنكليزي في جريدة المصور الأسبوعي للهند، صور فيها الصحابي خالد بن الوليد القائد الحربي الأعظم في فسطاط كمجالس راجات الهند تدار فيه كؤوس المُدام، واصطفت نراجيل دخان التبغ، وصور ليلى بنت جويد متزينة بأحدث أزياء نساء أوربة وحلي الشرق، تدخل عليه لتشفع لمالك بن نويرة زوجها بزعمه إذ أسرها معه في حرب الردة، فعشقها، وأمر بقتله وتزوجها.< o:p>
وقد نشرنا الفصل الأول في ج

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير