تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَفِي النِّكَاحِ، وَالطَّلاقِ، وَالْحُدُودِ، وَالأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، وَسَائِرِ الأَحْكَامِ سُنُنٌ كَثِيْرَةٌ، وَفِيمَا أَدَّبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ فِيمَا حَثَّهُمْ عَلَيْهِ، وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ مِثْلَ أَدَبِ السَّلامِ، وَأَدَبِ الْمُجَالَسَةِ، وَأَدَبِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَأَدَبِ اللِّبَاسِ، وَأَدَبِ الْمُؤَاخَاةِ وَالْجِوَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ شَرْحُهُ سُنُنُ كَثِيْرَةٌ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالأَدَبِ، قَدْ صَنَّفَهَا النَّاسُ، وَعُنُوا بِهَا، حَتَّى إِذَا فَرَّطَ فِيهَا بَعْضُ مَنْ يُصَنِّفُ الْحَدِيثَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، قِيلَ لَهُ: قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْكَ أَشْيَاءُ لَمْ تَأْتِ بِهَا، وَرُبَّمَا نَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ جَمْعِهَا، وَعَنْ حِفْظِهَا.

قَالَ لَنَا السَّائِلُ: فَمَا هَذِهِ الأَرْبَعُونَ حَدِيثَاً الَّتِي إِذَا حَفِظَهَا مَنْ قَدْ كَتَبَ الْعِلْمَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ هَذَا الأَجْرُ، وَالْفَضْلُ الْعَظِيمُ؟، وَهَلْ يُغْنِيهِ أَوْ يُغْنِي غَيْرَهُ؟، عَرِّفْنَا مَعْنَاهَا، فَإِنَّا نَحْتَاجُ إِلَى مَعْنَاهَا.

قِيلَ له: اعْلَمْ - رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ - أَنَّي أَجَلْتُ فِكْرِي فِيمَا سَأَلْتَ عَنْهُ، فَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَجْهَاً يُحْتَمَلُ إِلا وَجْهَاً وَاحِدَاً، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا هُوَ؟، قِيلَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ الْبَعِيدَةِ، وَمِنَ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ النَّفَرُ الْيَسِيرُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ، وَمِنْ كُلِّ قَرِيَةٍ، فَيُسْلِمُونَ، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى أَحْيَائِهِمْ، وَإِلَى قُرَاهُمْ، فَيُعَلِّمُونَهُمْ مِنْ أَمْرِ الإِسْلامِ مِمَّا عَلَّمَهُمْ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرِيعَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلامِ، وَمِمَّا أُحِلَّ لَهُمْ، وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ، فَيَقُولُونَ لَهُمْ: قَالَ لَنَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا، وَأَمَرَنَا بِكَذَا، وَنَهَانَا عَنْ كَذَا. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ «فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون» [التَّوْبَةُ: 122].

فَدَلَّ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ هَؤُلاءِ الْوُفُودُ، فَأَسْلَمُوا، وَتَعَلَّمُوا، حَثَّهُمْ عَلَى حِفْظِ السُّنُنِ الَّتِي قَدْ عَلَّمَهُمْ، إِذْ كَانَ يُمْكِنُهُمْ حِفْظَهَا لِلْوَقْتِ، حَتَّى يَمْضُوا بِهَا إِلَى أَهْلِيهِمْ، وَإِخْوَانِهِمْ، وَعَشَائِرِهِمْ، فَيُعَلِّمُونَهُمْ مَا عَلَّمَهُمْ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقْرُبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهَا، إِذَا كَانَتْ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ حَدِيثَاً يُمْكِنُهُمْ حِفْظَهَا، فَحَثَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، لا أَنَّ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ حَدِيثَاً مُجْزِئَةٌ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ سُنَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ عَلَى التَّقْرِيبِ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، فَقَالَ: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدَاً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَوَعَاهَا، وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقَهٍ لا فِقَهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقَهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير