تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بين ابن الفرضي في مقدمة الكتاب أن مؤلّفه يضم عدداً كبيراً من فقهاء الأندلس وعلمائها، ورواتها، وأهل العناية بالعلم منهم مرتبين على حروف المعجم ([164]) ثم بين بعد ذلك أنه حاول ما أمكنه أن يعرض (أسماء الرجال، وكناهم وأنسابهم، ومن كان يغلب عليه حفظ الرأي منهم، ومن كان الحديث والرواية أملك به وأغلب عليه ومن كانت له إلى المشرق رحلة، وعمن روى، ومن أجل من لقي؟ ومن بلغ منهم مبلغ الأخذ عنه، ومن كان يشاور في الأحكام ويستفتى، ومن ولي منهم خطة القضاء، والمولد والوفاة) ([165]).

هذه هي القاعدة والمنهج التي كان ابن الفرضي يسير عليها حين ترجمته لأولئك العلماء، ولا شك أنها ترصد معلومات مهمة عن كل عالم، وهذا النهج في التأليف هو ما اعتاده كثير من المؤلفين المعاصرين أو اللاحقين لابن الفرضي والذين عنوا بالترجمة للرجال والمحدثين والفقهاء سواء من المشارقة أو المغاربة والأندلسيين، فمن المعاصرين الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني (ت 446هـ) في كتابه الإرشاد في معرفة علماء الحديث ([166])، ومن اللاحقين أبو الحسن النباهي (ت ق 8هـ) في كتابه المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا والمعروف بتاريخ قضاة الأندلس ([167]) كما نهج هذا النهج الإمام الذهبي (ت748هـ) في كتابيه تذكرة الحفاظ، وسير أعلام النبلاء لمن هم بمستوى ومنزلة علماء ابن الفرضي، ولعل أقرب المؤلفين لمنهج ابن الفرضي ابن بشكوال في صلته، ويبدو هذا واضحاً في معظم التراجم التي تحدث عنها ([168])، وكذلك القاضي عياض في ترتيب المدارك ([169]) لكن هؤلاء جميعاً خالفوا ابن الفرضي في الاختصار، حيث جاء حديثهم أكثر تفصيلاً وبسطاً منه، إذ التزم جانب الاختصار، فلم يدخل في تفصيلات تخرجه عن هذا النهج الذي بينه في مقدمته.

أما المنهج الذي سار عليه ابن الفرضي في ذكر أولئك العلماء فقد ذكرهم مرتبين حسب حروف المعجم بغض النظر عن أي اعتبار آخر، كالمكانة العلمية، أو المنزلة الاجتماعية، أو الترتيب الزمني أو غيرها، وهذا النهج في التأليف لم يكن ابتكاراً خاصاً به، بل عمل به عدد من الكتاب والمؤلفين مثل الإمام البخاري (ت 256هـ) في كتابه التاريخ الكبير، وابن أبي حاتم (ت 327هـ) في الجرح والتعديل، وابن حبان (ت 354هـ) في كتابيه الثقات، والمجروحين، وغيرهم، وقد سار على هذا النهج عدد من المؤلفين الذين جاؤوا بعد ابن الفرضي مثل ابن بشكوال في الصلة، والحميدي في جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، وابن عميرة في كتابه بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، بل إن ابن الأبار المتوفى سنة (658هـ) ألف كتاباً أسماه بالمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي.

وقد رتب ابن الفرضي مؤلفه حسب حروف الهجاء إذ بدأ بحرف الألف وانتهى بحرف الياء حسب الأبجدية المشرقية ([170]) حيث ذكر تحت كل حرف أسماء العلماء من أهل الأندلس مرتبين حسب الحرف الأول من الاسم فقط، ففي حرف الألف بدأ بإبراهيم وانتهى بأيوب وهكذا، وحينما ينتهي من ذكر الرجال في كل حرف يذكر الأفراد، والغرباء من الحرف المتقدم وهذا المنهج هو المعمول به عند الأندلس في تلك الفترة ([171]).

أما وقت تأليف الكتاب فلم يذكر ابن الفرضي تاريخاً محدداً لذلك، لكن الذي يبدو أنه شرع بتأليفه منذ وقت مبكر من حياته حيث ساق بعض الروايات التي توحي بأنه قد بدأ بذلك منذ سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ([172]) ورايات أخرى يستوحى منها - أيضا - أنه حينما كان بمصر أثناء رحلته العلمية كان يجمع مادته العلمية ([173]) وكذلك حينما كان بالقيروان ([174]) وهناك روايات أخرى تدل على أنه كان في نهاية القرن الرابع يشتغل في تأليف هذا الكتاب، ومن ذلك قوله حينما تحدث عن سعيد بن موسى الغساني: (قُتل بمعترك الماشة، قرب مدينة بلغى يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة) ([175]).

وهكذا يبدو لنا أن تأليف هذا الكتاب قد استغرق أكثر من ثلاث وعشرين سنة وتفسير ذلك أن ابن الفرضي قد شرع في جمع مادته العلمية مبكراً، وكان يودع ذلك في كراريس، أو مذكرات خاصة، فلما أكتملت مادته العلمية أخذ بجمعها وتأليفها في كتاب واحد وكان هذا في آخر عمره رحمه الله.

مصادره:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير