ثانيا ـ يجب التفريق بين (النقد) و (التجريح)، وبين (النصيحة) و (الفضيحة)، وبين (الصدع بالحق) و (التحامل):
وهذا يجب أن ينتهجه المسلم بشكل عام مع جميع من حوله. ولكن لكوننا نقصد بهذه الرسالة صنف من الناس وهم (العلماء والدعاة) وجب علينا أولا طرح هذا السؤال: هل يجوز لنا نقد أو نصيحة أو الإنكار على العلماء والدعاة؟!.
الجواب: نعم يجوز ذلك بلا ريب، فالعالم أو الداعية بشر من البشر يخطئ ويصيب، يعصي ويطيع وكما قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد بإسناد صحيح من حديث أنس.
وقال الإمام مالك: كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار بيده إلى قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ونحن (أهل السنة والجماعة) ننكر أشد الإنكار على ما يعتقده المريد في شيخه الصوفي، فالشيخ الصوفي أول ما يلقن مريده من آداب هو (أن يكون بين يديه كما يكون الميت بين يد مغسله أي جسد بلا روح)، وهكذا يدرب المريد حتى يؤول الأمر إلى منكرات عظيمة تصل لدرجة أن بعض الزنادقة من شيوخ الصوفية يغتصب زوجة المريد أمام المريد وهو لا يحرك ساكنا امتثالا لأمر الشيخ ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ.
فنحن لا نعتقد العصمة في أحد من الصحابة، فكيف نعتقدها في العلماء والدعاة؟!!.
ثالثا ـ وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف يمكن أن يكون (النصح أو النقد أو الإنكار) على أهل العلم والدعاة؟!! وهل من ضوابط في ذلك؟!!
قلت: اعلم ـ وفقك الله للخير ـ أن هناك عدة أمور يجب أن يتحلى بها من تصدى لنقد أو نصح عالم قبل أن يقوم بذلك، وهي:
1 ـ (ملاحظة "مؤشر الإخلاص" في قلبك اتجاه النصيحة):
ويكون ذلك بوقوفك بنفسك على الدوافع الحقيقية التي حملتك على بذل هذه النصيحة، وهذه لن يقف على حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى ثم شخصك الكريم؛ لأن ذلك محله القلب، والقلب لا يطلع عليه إلا الله الذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر:19).
وللكشف عن حقيقة دوافعك من النصيحة ومراقبة مؤشر الإخلاص في قلبك أجب على هذه الأسئلة أولا قبل إسداء النصيحة:
س1 ـ هل أنت محب (لفلان) الذي تنصحه؟!. فإن كنت تحبه فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س2 ـ هل تمنيت أن يكفيك غيرك بذل هذه النصيحة؟!!. فإن قلت: نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س3 ـ هل أحزنك صدور ذلك من (فلان) أم سررت بذلك ووجدتها فرصة لنصحه؟!. فإن قلت: نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س4 ـ هل كنت تتمنى أن تكون نصيحتك في السر بينك وبينه، ولكنك لم تجد إلى ذلك سبيلا؟!!. فإن قلت: نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س5 ـ هل لو فعلها أحب الناس إليك كنت ستنصحه بنفس الكيفية والأسلوب؟!. فإن قلت: نعم فبشارة خير. وإن كان غير ذلك فإليك هذه المذكرات الهامة:
1 ـ الإخلاص شرط لقبول العمل الصالح، فإن فقده فهو طالح؛ لحديث عمر مرفوعا: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…) رواه الشيخان.
2 ـ صح من حديث أبي أمامة مرفوعا: (إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه) رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بإسناد جيد.
3 ـ هل تعلم أن علاج الإخلاص يكون بكسر حظوظ النفس، وقطع الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة حتى يغلب ذلك على قلبك؟!.
4 ـ هل تعلم أنه قيل: (يا نفس اخلصي تتخلصي) أي اخلصي لله تتخلصي من العذاب؟!.
5 ـ هل تعلم أن (رب عمل صغير يعظمه النية!! ورب عمل كبير تصغره النية)؟!!.
يا أيها الحبيب يا من تريد بذل نصيحة لأحد العلماء أو الدعاة وتريد بها الخير استصحب معك هذه المعاني وأنت مقدم على نصيحة عالم أو نقده:
أ ـ ذكر أحد العلماء عند الإمام أحمد وكان متكئا من علة فاستوى جالسا وقال: (لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ)!!!!!.
ب ـ قال الترمذي: (لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم) فكيف بعلماء زماننا ودعاتنا، وكيف بي أنا وأنت أيها الناصح الكريم؟!!.
جـ ـ يجب على الجميع استيعاب حقيقة لا بد منها، وهي وقوع الخلاف من عهد الصحابة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ لأن الخلاف سنة الله في خلقه وأسبابه كثيرة.
¥