تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الزيارة كان ذلك مظنة تكرير ذلك فتعظم فيه المفسدة ويتجدد الجزع والأذى للميت فكان ذلك مظنة قصد الرجال لهن والافتتان بهن كما هو الواقع فى كثير من الأمصار فإنه يقع بسبب زيارة النساء القبور من الفتنة والفواحش والفساد ما لا يقع شيء منه عند اتباع الجنائز، وهذا كله يبين أن جنس زيارة النساء أعظم من جنس اتباعهن وأن نهي الاتباع إذا كان نهي تنزيه لم يمنع أن يكون نهي الزيارة نهي تحريم وذلك أن نهي المرأة عن الاتباع قد يتعذر لفرط الجزع كما يتعذر تسكينهن لفرط الجزع أيضا فإذا خفف هذه القوة المقتضى لم يلزم تخفيف ما لايقوى المقتضى فيه وإذا عفا الله تعالى للعبد عما لا يمكن تركه الا بمشقة عظيمة لم يلزم أن يعفو له عما يمكنه تركه بدون هذه المشقة الواجبة (). وقال ابن القيم: وأما النساء فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل لهن بالزيارة والشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته ورجحان هذه المفسدة لا خفاء به فمنعهن من الزيارة من محاسن الشريعة، وكذلك اتباعهن الجنازة وزر لا أجر لهن فيه إذ لا مصلحة لهن ولا للميت في اتباعهن لها بل فيه مفسدة للحي والميت ().

استدل أصحاب الثالث: بأن النساء الشابات لا تؤمن عليهن الفتنة وبهن حيث خرجن ولا شيء للمرأة أفضل من لزوم قعر بيتها، وأما القواعد منهن فمرخص لها إذا أمنت الفتنة (). استدل أصحاب القول الرابع بما استدل به أصحاب القول الأول إلا أنهم حملوا الأمر بزيارة القبور في قوله: (فزوروها) على الوجوب.

المناقشة والترجيح:

بعد النظر في أدلة أصحاب هذه الأقوال الأربعة تبين لي ما يأتي:

الأول: أنما استدل به أصحاب القول الأول صحيح صريح، وهو نص في محل النزاع. ومن أصرح شيء في ذلك تعليمه ? لعائشة دعاء زيارة القبور على ما في حديث عائشة المتقدم عند مسلم وغيره، وكذلك إقراره ? للمرأة المصابة على ما في حديث أنس بن مالك ? فإنه أنكر عليها البكاء عند المصيبة وأقرها على زيارتها للقبر، وكذلك أمره ? بقوله: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها على ما في حديث عبد الله بن بريدة وغيره فهذا عام يتناول الرجال والنساء على السواء، وكذلك من الناحية العملية زيارة عائشة رضي الله عنها قبر أخيها عبد الرحمن، وزيارة فاطمة رضي الله عنها قبر عمها حمزة ?، قال عبد الله بن أبي مليكة: أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها أليس كان رسول الله ? نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى ثم أمر بزيارتها ()

قال الترمذي: عقب حديث لعن رسول الله ? زوارات القبور: وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي ? في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء (). وقال ابن عبد البر: قال بعضهم كان النهي عن زيارة القبور عاماً للرجال والنساء ثم ورد النسخ كذلك بالإباحة عاماً أيضا فدخل في ذلك الرجال والنساء ().

وقال أبو عمر ابن عبد البر: ممكن أن يكون هذا قبل الإباحة وتوقى ذلك للنساء المتجالات أحب إلي فأما الشواب فلا تؤمن الفتنة عليهن وبهن حيث

خرجن ولا شيء للمرأة أفضل من لزوم قعر بيتها ().

وقال الحاكم: وهذه الأحاديث المروية في النهي عن زيارة القبور منسوخة والناسخ لها حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي ? قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ()، وقال الحاكم أيضاً: عقب رواية زيارة فاطمة رضي الله عنها لقبر عمها حمزة ?: وقد استقصيت في الحث على زيارة القبور تحرياً للمشاركة في الترغيب وليعلم الشحيح بذنبه أنها سنة مسنونة وصلى الله على محمد وآله أجمعين (). وأما زيارة قبر النبي ? فالإجماع منعقد على مشروعيتها وفضلها، قال النووي: اعلم أن زيارة قبر رسول الله ? من أهم القربات وأنجح المساعي ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير