تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القبور فوجودها أسرع والانتفاع بها أليق وأجدر فينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط فإن هذه حاله تشاركه فيها بهيمة ونعوذ بالله من ذلك بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى وإصلاح فساد قلبه أو نفع الميت بدعائه له، ويتجنب المشي على المقابر والجلوس عليها ويسلم إذا دخل المقابر وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم عليه أيضاً وأتاه من تلقاء وجهه لأنه في زيارته كمخاطبته حياً ولو خاطبه حياً لكان الأدب إستقباله بوجهه فكذلك ها هنا ثم يعتبر بمن صار تحت التراب وأنقطع عن الأهل والأحباب بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر وجمع الأموال والذخائر فجاءه الموت في وقت لم يحتسبه وهول لم يرتقبه فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم ومحا التراب محاسن وجوههم وافترقت في القبور أجزاؤهم وترمل من بعدهم نساؤهم وشمل ذل اليتم أولادهم واقتسم غيرهم طريفهم وتلادهم وليتذكر ترددهم في المآرب وحرصهم على نيل المطالب وانخداعهم لمواتات الأسباب وركونهم إلى الصحة والشباب وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع والهلاك السريع كغفلتهم وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم وليحضر بقلبه ذكر من كان متردداً في أغراضه وكيف تهدمت رجلاه وكان يتلذذ بالنظر إلى ما حوله وقد سالت عيناه ويصول ببلاغة نطقه وقد أكل الدود لسانه ويضحك لمواتات دهره وقد أبلى التراب أسنانه وليتحقق أن حاله كحاله ومآله كمآله وعند هذا التذكر والاعتبار تزول عنه جميع الأغيار الدنيوية ويقبل على الأعمال الأخروية فيزهد في دنياه ويقبل على طاعة مولاه ويلين قلبه وتخشع جوارحه (). قلت: لا شك أن الاتعاظ والاعتبار بزيارة القبور يحتاج إليها الرجال والنساء على السواء، فلا يختص بأحدهما دون الآخر إلا بدليل شرعي ثابت، والخطاب في قوله: (فزوروها) موجه لعامة المكلفين من المسلمين من الرجال والنساء، كما يعمهم الخطاب في جميع التكاليف من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرهم فكذلك هنا في زيارة القبور.

وبهذا يتبين لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن زيارة النساء للقبور جائزة ومستحبة مثل الرجال ما لم تترتب عليها موانع شرعية من نياحة، أو تبرج، أو اختلاط، أو غير ذلك من المخالفات للأدلة التي استدلوا به والله تعالى أعلم.

وإلى هنا انتهى ما أردت جمعه من أحكام زيارة النساء للقبور ومذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم، والذي سميته بالإنصاف لما في زيارة النساء للقبور من الخلاف، أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

جمعه وكتبه أبو عبد الله:

محمد بن محمد المصطفى

مكتبة المسجد النبوي،

قسم الإفتاء والإرشاد، والبحث والترجمة،

المدينة النبوية في 30/ 6 / 1425 هـ

() أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه رقم (770) 1/ 534، وأبو داوود في كتاب الصلاة باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم (767) 1/ 487، والنسائي في كتاب قيام الليل باب بأي شيء يستفتح صلاة الليل رقم (1624) 3/ 234ـ 235، والترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في الدعاء عند استفتاح الصلاة بالليل رقم (342) 5/ 451 ـ 452، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل رقم (1357) 1/ 431 ـ 432، و أحمد رقم (25266) 6/ 156، وابن حبان رقم (2600) 6/ 335 ـ 336، وأبو عوانة 2/ 304 ـ 305، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم رقم (1760) 2/ 367، والبغوي في شرح السنة رقم (952) 4/ 70 ـ 71، والحاكم رقم (1760) 2/ 367، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (4444) 3/ 5.

(1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر 2/ 28.

(2) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول النبي ? رجل آتاه الله القرآن رقم (7529) 4/ 412.

(3) انظر: المجموع 8/ 201 – 203.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير