تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هكذا تعددت صيغ الرواية عند ابن الفرضي فيما أخذه عن أبي سعيد، ولا شك أن إلمامه بعلم الحديث ومناهجه، هي التي جعلته يملك هذه الطرق، وتلك الأساليب في التعامل مع الرواية التاريخية، وقد أفاد ابن الفرضي من أبي سعيد معلومات تتعلق بالنسب ([248])، والمولد، والنشأة ([249])، والشيوخ، وطلب العلم والرحلات العلمية ([250])، والسماع من الشيوخ ([251]) وكذلك الوفاة، مكانها وتاريخها ([252]).

ومما تميز به هذا المصدر من مصادر ابن الفرضي عن غيره من المصادر التاريخية أنه أورد تراجم مطولة لعدد من ولاة الأندلس، وعلمائه؛ مثل حنش بن عبد الله الصنعاني ([253]) والسمح بن مالك الخولاني ([254])، وعبدالعزيز بن موسى بن نصير ([255])، وعبد الله بن يزيد الحبلي ([256]) وغيرهم من القادة والعلماء المتقدمين، حيث يعد ما ذكره ابن الفرضي عنهم إضافة مهمة لهؤلاء الأشخاص الذين تعاني المصادر التاريخية من شح واضح في أخبارهم.

5. الرازي

قال ابن الفرضي حينما تحدث عن مصادره في كتابه هذا: (وما كان فيه عن الرازي فإن العائذي أخبرنا به عنه) ([257]) لكنه لم يذكر اسم هذا المؤرخ الذي أفاد منه هل هو أبوبكر أحمد بن محمد الرازي أو ابنه عيسى بن أحمد بن محمد الرازي وكلاهما ممن اهتم بالتاريخ الأندلسي، وعاصر ابن الفرضي، أما أحمد فهو: أبوبكر أحمد بن محمد بن موسى بن بشير الرازي والمولود بالأندلس سنة 274 هـ حيث سمع من قاسم بن أصبغ وأحمد بن خالد وغيرهما، وكان كثير الرواية حافظا للأخبار ([258])، وله مؤلفات كثيرة في أخبار الأندلس وتواريخ دول الملوك فيها ومنها أخبار ملوك الأندلس، وهو كتاب كبير اعتمد عليه عدد من المؤرخين كابن حيان، وابن الأبار، وابن سعيد،وغيرهم وكتاب في صفة قرطبة وخططها ومنازل الأعيان فيها، وكتاب ثالث اسمه الاستيعاب عن أنساب مشاهير أهل الأندلس، وكتاب رابع في جغرافية الأندلس، وخامس في أعيان الموالي بالأندلس ([259]) وقد فقدت هذه المؤلفات ولم يبق منها سوى ما نقله لنا عدد من المؤرخين اللاحقين له.

وأما عيسى فهو: ابن أحمد بن محمد الرازي المذكور أولاً (وقد انشغل بكتابة التاريخ حيث ألف كتابا اسمه (الحجاب للخلفاء بالأندلس) ([260])، كما ألف كتابا آخر في تاريخ الأندلس ويرى الدكتور محمود علي مكي أنه قد يكون أكمل بهذا الكتاب كتاب والده أحمد ([261]).

وما ذكره ابن الفرضي في مقدمة كتابه عن المصادر، وكذلك إحالاته على الرازي في ثنايا كتابه، لم تصرح هل المقصود أحمد أم ابنه عيسى؟

كما لا يوجد من خلال الإحالات ما يدل صراحة على أي منهما على وجه التحديد، ولكن ومن خلال استقرائنا لما كُتب عن الرجلين، وما ذكره ابن الفرضي في إحالاته على الرازي يمكن أن نرجح أن يكون المقصود به هو الأب أحمد بن محمد، وقد بدا لنا هذا الترجيح من خلال المؤشرات التالية:

1. أن الأب أحمد بن محمد كان أشهر من ابنه عيسى؛ إذ أنه علم من أعلام التاريخ الأندلسي، فلعل ابن الفرضي اكتفى بشهرته عن التصريح باسمه، كما يفعل بعض المؤرخين ومن بينهم ابن حيان، وابن الأبار؛ إذ كانا أحيانا يكتفيان بقول: قال الرازي مع أنهما يقصدان أحمد وليس عيسى، كما يبدو هذا واضحا من خلال ما يذكرانه من أخبار.

2. من خلال تتبعنا للروايات التي ذكرها ابن الفرضي عن الرازي نجد أنها كلها لم تتجاوز في إطارها الزمني سنة 344هـ وهو تاريخ وفاة أحمد، فلو كان المعني بالأمر أو بعضه الابن عيسى لامتد الإطار الزمني إلى نهاية العقد الثامن من القرن الرابع الهجري إذ أن عيسى عاش تلك الفترة؛ حيث كانت وفاته سنة 379 هـ.

3. أن كثيرا من تراث أحمد بن محمد التاريخي أقرب إلى موضوع صاحبنا ابن الفرضي في هذا الكتاب؛ فهو يعنى بالمشاهير والأعيان الذين كان العلماء أحدى فئاتهم، وعناوين مؤلفاته من الأدلة الواضحة في هذا المجال.

4. ثمة إشارات ذكرها ابن الفرضي توحي بأن المقصود بالرازي عنده هو أحمد؛ مثل قوله في ترجمته لأحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مروان ذكره الرازي في تاريخ الملوك ([262]) وكذلك حين حديثه عن شمر بن ذي الجوشن الكلاعي؛ حيث قال: ذكره الرازي في تاريخ الملوك …) ([263]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير