إن فتاوى إباحة الخمس للشيعة لا تقتصر على هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء والمجتهدين لا وإنما هناك أضعاف هذا العدد الذي ذكرنا وعلى مر هذه القرون ولكننا اخترنا من كل قرن واحداً من الفقهاء القائلين بعدم دفع الخمس لكي يتضح لنا أن القول بعدم وجوب الخمس قد قال به كثير من الفقهاء وعلى مر الزمان لأنه هو القول الراجح في المسألة، ولموافقته للنصوص وعمل الأئمة عليهم السلام.
ولنأخذ فتوتيين لعلمين من أعلام المنهج الشيعي هما: الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، قال الشيخ المفيد:
قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك -أي الخمس- عند الغيبة، وقد ذهب كل فريق منهم إلى مقال (ثم يذكر عدد المقالات) منها قوله:
منهم من يسقط قول إخراجه لغيبة الإمام (1)، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار. وبعضهم يوجب كنزه -أي دفنه- ويتأول خبراً ورد: (إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام، وأنه عليه السلام إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان).
ثم يختار قولاً منها فيقول:
بعزل الخمس لصاحب الأمر -يعني المهدي- فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام، إن أدرك قيامه، وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه بالثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يقوم الإمام، قال: وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبة رسماً يجب الانتهاء إليه.
ثم قال: ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يقدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند ذلك سقوطها، وقال: إذا ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص الإمام، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمّد وأبناء سبيلهم مساكينهم على ما جاء في القرآن.
قال: فمن فعل هذا لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب، وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب انظر (المقنعة 46).
وقال الشيخ الطوسي المتوفى (460ه_) مؤسس الحوزة النجفية وأول زعيم لها: بعد أن ذكر أحكام الخمس قال: هذا في حال ظهور الإمام (1).
ثم قال: فأما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتجر والمساكن.
فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس نص معين (2)، إلا أن كل واحد منهم -أي فقهاء الشيعة- قال قولاً يقتضيه الاحتياط.
ثم حصر الطوسي هذه الأقوال في أربعة:
1 - قال بعضهم أنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر -يعني طالما كان الإمام غائباً أو مستتراً فكل شيء مباح- وهذا هو أصح الأقوال لأنه موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء.
2 - وقال قوم أنه يجب الاحتفاظ به أو حفظه ما دام الإنسان حياً، فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا حضر، أو يوصى به حسبما وصى به إلى أن يوصله إلى صاحب الأمر.
3 - وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام، ثلاثة أقسام للإمام تدفن أو تودع عند من يوثق به، وهذا القول قد اختاره الطوسي.
والأقسام الثلاثة الأخرى وتوزع على مستحقيها من أيتام آل محمّد صلى الله عليه وآله ومساكنهم وأبناء سبيلهم، وهذا مما ينبغي العمل عليه.
وهذا القول مطابق لفتوى المفيد في قياس الخمس على الزكاة.
ثم يقول: (ولو إن الإنسان استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من إجزاء الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوماً) انتهى بتصرف يسير.
لقد حصر الشيخ الطوسي التصرف في الخمس حال الغيبة في هذه الأقوال الأربعة المتقدمة واختار هو القول الرابع منها (1)، وبين أن الإنسان إذا اختار أي قول من هذه الأقوال وعمل به لم يكن آثماً.
ونحن نلاحظ هذه الأقوال الأربعة، فهي وإن اختلف بينها في بعض التفاصيل لكنها أجمعت على شيء واحد نحن بصدد بيانه وهو أن هذه الأموال -أي الخمس- التي هي حق الإمام الغائب أو حق غيره لا تصرف للسادة ولا المجتهدين.
ورغم أن الأقوال الأربعة المتقدمة اختلفت من جهة صرف أموال الخمس، إلا أنها ليس فيها تلميح فضلاً عن التصريح بوجوب أو إباحة إعطاء الخمس أو جزء منه للسادة والمجتهدين.
إن القول الرابع والذي اختاره الشيخ الطوسي هو الذي كان عليه الشيعة، والطوسي كما لا يخفى هو مؤسس الحوزة العلمية وهو شيخ الطائفة.
¥