إن الحقوق -الخمس- المترتبة علي خمسة ملايين، وأنا أريد أن أدفع نصف هذا المبلغ أي أريد أن أدفع مليونين ونصف فقط، فقال له السيد السيستاني: هات المليونين والنصف، فدفعها إليه الرجل، فأخذها منه السيستاني، ثم قال له: قد وهبتها لك -أي ارجع المبلغ إلى الرجل- فأخذ الرجل المبلغ، ثم قال له السيستاني: أدفع المبلغ لي مرة ثانية، فدفعه الرجل إليه، فقال له السيستاني: صار الآن مجموع ما دفعته إلي من الخمس خمسة ملايين فقد برأت ذمتك من الحقوق. فلما رأى السادة الآخرون ذلك، قاموا هم أيضاً بتخفيض نسبة الخمس واستخدموا الطريقة ذاتها بل ابتكروا طرقاً أخرى حتى يتحول الناس إليهم، وصارت منافسة (شريفة!) بين السادة للحصول على الخمس، وصارت نسبة الخمس أشبه بالمناقصة وكثير من الأغنياء قام بدفع الخمس لمن يأخذ نسبة أقل.
ولما رأى زعيم الحوزة أن المنافسة على الخمس صارت شديدة، وأن نسبة ما يرده هو من الخمس صارت قليلة، أصدر فتواه بعدم جواز دفع الخمس لكل من هب ودب من السادة، بل لا يدفع إلا لشخصيات معدودة وله حصة الأسد أو لوكلائه الذين وزعهم في المناطق.
وبعد استلامه هذه الأموال، يقوم بتحويلها إلى ذهب بسبب وضع العملة العراقية الحالية، حيث يملك الآن غرفتين مملوءتين بالذهب.
وأما ما يسرقه الوكلاء دون علم السيد فحدث ولا حرج.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك اتخذوا الأرض بساطاً وترابها فراشاً، وماءها طيباً والقرآن شعاراً والدعاء دثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح .. إن داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبداً إلا استجيب له، إلا أن يكون عشاراً أو عريفاً أو شرطياً) (نهج البلاغة 4/ 24) قارن بين كلام الأمير عليه السلام وبين أحوال السادة واحكم بنفسك، إن هذا النص وغيره من النصوص العظيمة ليس لها أي صدى عند السادة والفقهاء، وحياة الترف والنعيم والبذخ التي يعيشونها أنستهم زهد أمير المؤمنين، وأعمت أبصارهم عن تدبر كلامه والالتزام بمضمونه.
إن العشار هو الذي يأخذ ضريبة العشر، فلا يستجاب دعاؤه كما قال عليه السلام، فكيف بالخماس؟ الذي يأخذ الخمس من الناس؟ إن الخماس لا يستجاب له من باب أولى، لأن ما يأخذه من الخمس ضعف ما يأخذه العشار، نسأل الله العافية.
تنبيه آخر:
عرفنا مما سبق أن الخمس لا يعطى للفقهاء ولا المجتهدين، واتضح لنا هذا الأمر من خلال بحث الموضوع من كل جوانبه، ويحسن بنا أن ننبه إلى أن الفقهاء والمراجع الدينية يزعمون أنهم من أهل البيت فترى أحدهم يروي لك سلسلة نسبه إلى الكاظم عليه السلام. اعلم أنه يستحيل أن يكون هذا الكم الهائل من فقهاء العراق وإيران وسورية ولبنان ودول الخليج والهند وباكستان وغيرها من أهل البيت، ومن أحصى فقهاء العراق وجد أن من المحال أن يكون عددهم الذي لا يحصى من أهل البيت، فكيف إذا ما أحصينا فقهاء البلاد الأخرى ومجتهديها؟ لا شك أن عددهم يبلغ أضعافاً مضاعفة، فهل يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً من أهل البيت؟؟
وفوق ذلك إن شجرة الأنساب تباع وتشترى في الحوزة، فمن أراد الحصول على شرف النسبة لأهل البيت فما عليه إلا أن يأتي بأخته أو امرأته إذا كانت جميلة إلى أحد السادة ليتمتع بها، أو أن يأتيه بمبلغ من المال وسيحصل بإحدى الطريقتين على شرف النسبة.
وهذا أمر معروف في الحوزة.
لذلك أقول: لا يغرنكم ما يصنعه بعض السادة والمؤلفين عندما يضع أحدهم شجرة نسبه في الصفحة الأولى من كتابه ليخدع البسطاء والمساكين كي يبعثوا له أخماس مكاسبهم.
وفي ختام مبحث الخمس لا يفوتني أن أذكر قول صديقي المفضال الشاعر البارع المجيد أحمد الصافي النجفي رحمه الله، والذي تعرفت عليه بعد حصولي على درجة الاجتهاد فصرنا صديقين حميمين رغم فارق السن بيني وبينه، إذ كان يكبرني بنحو ثلاثين سنة أو أكثر عندما قال لي: ولدي حسين لا تدنس نفسك بالخمس فإنه سحت، وناقشني في موضوع الخمس حتى أقنعني بحرمته، ثم ذكر لي أبياتاً كان قد نظمها بهذا الخصوص احتفظت بها في محفظة ذكرياتي وأنقلها للقراء الكرام بنصها قال رحمه الله:
¥