تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لم يكن أمر الحج خاص بهذا العام دون غيره، بل الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومن جحده فقد كفر، لذا حج الناس مع النبي ?، ولا يزالون يحجون بعد وفاته إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذا كان أمر الحج محل عناية كل حكام المسلمين حتى آل الأمر إلى الدولة السعودية فوضعت أمر الحج بل أمر الحرمين الشريفين عامة محل عناية، وخصصت لذلك ”المليارات” الكثيرة، وقدمت مشاريعه على مشاريع كثيرة يراها الناس من المشاريع التنموية، وأنشأت ”معهدًا” خاصًا بالبحوث والدراسات المتعلقة بالحج، وتنتدب آلاف العسكر من القوات المسلحة، والحرس الوطني، والداخلية بكافة الأفرع، وهذا غير المدنيين من كافة الجهات الحكومية، كل ذلك لخدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن يحج كل عام، وينظر إلى هذه الجهود يعرف حقيقة ما أقول ().

ومع كل هذه الجهود، يبقى القول بأنَّ تنظيم ما يزيد على المليونين شخص في بقعة صغيرة ومحدودة ليس بالأمر الهين، وما حصل لا يتمناه مسلم في قلبه مثال ذرة من إيمان، فكيف بدولة أنفقت المليارات من أجل التسهيل أمر الحجاج.

ولكن مع كل هذه الجهود إلا أنَّ مشيئة الله فوق كل شيء، وقدّر الله وما شاء فعل، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لله وإن إليه راجعون، ونقول للحكومة السعودية وفقها الله {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].

[النقطة الثالثة: سبب ازدحام الناس، وهلاكهم]

إنا ما حصل عند ”جسر الجمرات”، وإنا كنا نتضرع إلى الله، ونبتهل إليه بأن يكون الأخير، إلا أنَّه لم يكن الحادث الأول، ولا الثاني، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة؛ ومن أهمها:

(1) استعجال نسبة كبيرة جدًا من الحجاج، ورغبتهم في الرمي في أوّل الوقت، لكي يتسنى لهم الذهاب إلى ”الحرم” لإكمال النسك، ومن ثم الرحيل إلى وطنهم، وتشدد كثير من الحملات (التجارية) على الحجاج، وتطالبهم بالانتهاء من جميع أعمال المناسك، في وقتٍ مبكر، لأنَّ الرحلات سواءً البرية أو الجوية مجدولة وفق أوقات معينة، بل ومحسومة، ولا تسمح ـ جل الحملات التجارية ـ لهم بالمبيت بـ ”منى” ليومٍ ثالث، بل وتشترط عليهم ذلك قبل السفر للحج، ولو نظمت الحملات السفر، وجعلته على دفعتين الأولى يوم الثاني عشر، والثانية يوم الثالث عشر لكان أولى، ولكن هذا خلاف المراد عند الحملات التجارية، وأيضًا عند كثير من الحجاج.

(2) وجود الكثير من الحجاج في مباسط أرضية حول ”جسر الجمرات” بطرق عشوائية، وبعضهم قد نصبوا ما يُسمّى بـ ”الخيام البحرية”، فأعاقوا مسيرة الراغبين في الرمي.

(3) يوجد أعداد غير قليلة من الحجاج ممن يستعجلون الرمي يأتون إلى ”الجسر” وهم محمّلون بالأمتعة، لكي يرموا وينصرفوا مباشرة.

(4) تجمع أعداد كبيرة جدًا من الحجاج يتجاوزن (600.000) حاج عند ”الجسر” تحسبًا للوقت الذي يفتي ببدء الرمي فيه جمهور العلماء، عندها يتقدمون دفعة واحدة، وبغير تنظيم منهم، ولا ترتيب، فيتسببون في المأساة.

علمًا بأنَّ الأعداد التي تحضر للصلاة في ”المسجد الحرام” قد تتجاوز (2.000.000) مصلٍ، ومع ذلك يجتمعون لأداء الصلاة، ويقفون لأدائها في صفوف منتظمة، بكل خشوع وطمأنينة، ولا يحدث مثل الجمرات، ويجتمع داخل ”المسجد الحرام” أعداد هائلة، ويطوفون حول ”الكعبة” شرفها الله، ولا نسمع بما نسمعه في ”جسر الجمرات”، علمًا بأنَّ وقوف الأعداد الكبيرة للصلاة في ”المسجد الحرام” يكون في وقتٍٍ واحد وقصير جدًا، وهو أقل بكثير من الوقت المخصص للرمي وفق رأي الجمهور.

لو قارنَّا بين تجمع المسلمين في ”المسجد الحرام”، وتجمعهم عند ”جسر الجمرات” رأينا أنَّ العدد لا دخل له في الحادث، بل السبب هو ازدحام الناس وتجمعهم ـ محملين بالأمتعة ـ عند المنافذ تحسبًا للحظة معينة ينطلقون فيها، عِلمًا بأنَّ الوقت أطول من هذه اللحظة.

(5) ومن الملاحظ أنَّ أغلب من يتضرر في هذا الحادث هم من الحجاج قليلي العلم والبصيرة، فهم لا يلتزمون بكثير من الأنظمة والتعليمات، وهذه الشريحة () تعاني منها الجهات المنظمة للحج في كل موسم، وتعليم هؤلاء من مسؤولية ”مؤسسات الطوافة” التي تأتي بهم وترميهم في مشعر ”منى” يفترشون الشوارع، ويستظلون بالجسور والكباري، فالله حسيبهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير