تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو بكر البغدادي]ــــــــ[24 - 01 - 06, 09:10 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(إن تنصروا الله ينصركم)

بقلم: أبو بكر البغدادي

هذا هو الوعد الذي خص الله به المسلمين على سائر الخلق، ومن أصدق من الله قيلا.

ويبقى مفهوم النصر عند المسلمين، فذلك هو الذي احتار فيه الناس، ولم يسألوا عنه أهل العلم، بل كل ينصر الله على فهمه ومزاجه. وتعددت الأفهام والأمزجة على عدد العوام، وتلونت، ولانت، وقست حتى ضاع المعنى وضاع المفهوم وضاع الناس، وضاع النصر.

وما من شك في أن ضياع المعنى الصحيح إنما هو بسبب ضياع العلم في موضع التطبيق. وليس المقصود في ضياع العلم هنا هو عدم وجوده أو عدم وجود العلماء، ولكن في الظلم الذي هو وضع الشيء في غير محله، وتبؤ العمل من ليس متأهلا له، إما بفقدان الأهلية بالكامل، أو بالقصور عنها. وربما كان هذا الأخير هو الأكثر شيوعا لما فيه من شبهة الأهلية بما يسهل تمريره على كثير من العوام. ولهذا خص الله تعالى العلماء من بين الناس لفقه المعاني الشرعية وتعليمها للناس فقال تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) (التوبة: 22)

ولهذا أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)

وأيضا فإن من أهم الأسباب في ضياع التطبيق الصحيح للمعاني الشرعية هو الفرقة وضياع المرجعية. والمقصود بالمرجعية هنا هو فيما يتعلق بالأحكام الشرعية التي تتعلق بها مصالح الأمة، وليس مرجعية تفاصيل الأحكام الفقهية.

إن حقيقة النصر الذي يجب علينا فعله للظفر بنصر الله تعالى، إنما يكون بصحة القيام بدين الله كما أمر في كتابه العزيز، وكما بين رسوله الكريم. ولا بد أن يكون ذلك وفق الأصول والقواعد الشرعية التي بينها علماء الأمة، ولا يكون وفق الفهم المجتزأ للعوام أو أشباه العلماء.

ومفهوم النصرة فيه دقة قد خفيت أو أشكلت على بعض الصحابة حين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، فحين سئل عن نصره ظالما قال صلى الله عليه وسلم (أن تأخذ على يديه) أو قال (تمنعه من الظلم). أي أن النصر الذي يريده الشرع هو نصر المقاصد والمطالب الشرعية، وإن كان قد يضر مصالح بعض المسلمين.

إن من أعظم أسباب تحقق النصرة لهذا الدين صلاح ذات البين وما يتضمن من وحدة المسلمين وتآلفهم، حيث أوصى رب العزة عباده بذلك وأمرهم به (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بيم قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران: 103 - 105).

فبين تعالى أن أول نعمة من الله بها على المؤمنين بعد نعمة الإيمان هي نعمة الألفة والوحدة والأخوة، بل إن الآية تدل على إن الإيمان والفرقة خصمان مفترقان، وأنه كلما ظهرت الألفة والوحدة كلما دل ذلك على قوة الدين والإيمان، وكلما عظمت الفرقة كلما ضعف الدين والإيمان.

ومن الناس من يعلق هذا الأصل العظيم من صلاح ذات البين بتفاصيل الخلافات الفقهية والمذهبية بين المسلمين، وبالتالي فهو يقيد آيات الوحدة الإسلامية بوجوب انطباق تفاصيل مذهب من يطبق هو عليهم هذا الأصل مع تفاصيل مذهبه. وبالتالي فهو لا يمارس الأخوة والوحدة الإسلامية إلا على نطاق ضيق لا يتسع لعموم المسلمين. ولا شك أن هذا من أعظم مسالك الشيطان، بل هو مسلك تفريق المسلمين. وهو مسلك باطل ترده النصوص الشرعية ويرده قول الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة، قالوا بلى يا رسول الله. قال صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير