تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد سخر الله تعالى للمؤمنين ما في الأرض جميعا (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) (لقمان: 20)، وقال (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) (الجاثية: 13)، وقال تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور).

إن هذا التسخير ليس تسخيرا عبثيا، إنما هو بلاء ابتلى الله تعالى به عباده، تماما مثلما ابتلاهم بالعقل والسمع والبصر، وأيضا بالخير والشر، والمال والبنين. إنه بلاء للأمة المؤمنة هل تسخر هذه الأرض وما فيها من الماء والشجر والحجر والنار والحديد لنصرة الدين وتحقيق القوة التي أمر الله، أم تعمى عنها وتدعها للكفار من طلاب الدنيا ليصنعوا منها السائرات والطائرات والغائصات وقاذفات اللهب وخارقات السماء!!!!

بل ويصنعون منها ما يحرقون به أهل الدين، وينتهكون أعراضهم، ويهدمون به بيوت الله، ويكسرون به شوكة المسلمين.

نعم والله هذا حال المسلمين اليوم لا يأخذون الدين بقوة بل لا يأخذونه بتمامه. بل حتى علماء اليوم، وإن كانوا على أحسن الاعتقاد وأخلصه، فإن أكثرهم غافلون ساهون عن هذا الأمر العظيم، وتراهم إن تكلموا في هذا الجانب، فإنهم يتكلمون فيه تكلم المتكرم الذي يعرج على المتأخر من الأمور والتابع لها، وإذا تكلفوا فلا يتعدى تكلفهم فيه الندب والاستحباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله القوي العزيز.

قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان لقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قوة عزيز) (الحديد: 25).

قال شيخ الإسلام في المجموع (28/ 395): وهاتان السبيلان الفاسدتان – سبيل من انتسب إلى الدين ولم يكمله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب، ولم يقصد بذلك إقامة الدين – هما سبيل المغضوب عليهم والضالين. الأولى للضالين النصارى، والثانية للمغضوب عليه اليهود. وإنما الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، هي سبيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسبيل خلفائه وأصحابه ومن سلك سبيله. فإن قوام الدين بالكتاب الهادي، والحديد الناصر. أهـ

إن من القواعد العظيمة التي قطع العلماء بصحتها في الفقه أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكيف إذا كان ذلك الواجب هو أقدس الواجبات وأعظمها على الإطلاق إلا وهو إقامة الدين. وبغض النظر عن وجود من يهدد قيام الدين من عدمه فإن حماية الدين أصل في ذاته، ولذا شرع الله تعالى الجهاد إلى يوم القيامة، وجعله ذروة سنام الإسلام، ومن على أهله بأسمى الدرجات.

وما من شك أن المطلوب الأول من الجهاد (جهاد الطلب) هو النصر وليس مجرد الشهادة، وأن الشهادة إنما هي واقعة في طريق النصر. ولهذا فلا تطلب الشهادة في سبيل الله إلا إذا قدر أنها سبيل النصر، ولهذا لا يجوز الجهاد عند الضعف، بل يكون من باب إلقاء النفس إلى التهلكة (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). وقد قال تعالى (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور). ولا شك أن هذه الآية آية محكمة، فإن الصبر على أذى الكفار عند الضعف من أعظم المطالب الشرعية وأن المقاتلة في ذلك الموضع من المنكرات التي أنكرها الله تعالى وذمها، كما قال تعالى (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا). وهذا من باب الظلم الذي وضع الشيء في غير موضعه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير