تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو بكر البغدادي]ــــــــ[24 - 01 - 06, 09:29 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

العلامة ابن باز مثال الرعيل الأول من السلف الصالح

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم. والصلاة على رسوله الأمين.

فلئن كان مصاب الأمة الإسلامية مصابا مبكيا في كوسوفو ومهولا في البوسنة والهرسك وفي كشمير والنيبال، ومثيرا للحسرة في فلسطين الثكلى، فإن مصاب الأمة في فقد الإمام ابن باز رحمه الله تعالى، لا يقل ألما وحزنا وحسرة عن تلك المصابات. وفي هذا المصاب أيضا ليس لنا إلا قلوبا ندعو بها العلي القدير أن يبدل ضعفنا قوة وكسلنا همة وعزيمة، ومعاصينا طاعة، وأن يبدل كربتنا فرجا، وحسرتنا بشرى، ويعوض الأمة في هذا الإمام الجليل أئمة هدى ونور على نهج نور النبوة والسلف الصالح.

لم يكن سؤدد هذا الإمام الجليل بغزارة علمه وبراعة فنه حسب. فلو كان سؤدده كذلك لحازه كثير من الباحثين والدارسين والعلماء، وإنما كان بشيء غير ذلك. لا أقول بشيء فوق منزلة العلم، وإنما بشيء لا يكتمل سؤدد العلماء إلا معه، إنه الرحمة بالخلق.

قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك).

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق وأتقاهم إلى الله، ولكن هذا العلم العظيم وهذه التقوى السامية لم تكن لتجمع الأمة على رسول الله صلى الله عليه بمجردها إلا أن يكون مع ذلك رحمة ربانية يمنحها رب العزة للأنبياء والمرسلين وللعلماء الأئمة ورثة الأنبياء.

وهكذا كان الإمام ابن باز رحمه الله تعالى عالما على نهج النبوة رفيقا في دعوته وتعليمه لا تختلف سجيته في الرفق والرحمة بين العلماء وطلبة العلم على النهج القويم وبين عوام المسلمين عنده ودونهم من المبتدعين.

نعم فقد كان يتمثل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق العالي. فحين اشتدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على اليهود الذين دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم سابين له بصيغة التسليم فقالوا: السام عليك بدل السلام عليك، قال لها وهو فطن لما قالوه: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه.

ومتمثلا أيضا قول النبي صلى اللهم عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه).

وأما الدعوة والتعليم فقد تمثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى اللهم عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت وا ثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة).

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا).

وهكذا كان هذا الإمام الجليل معلما منهج النبوة القويم ومعلما دماثة الخلق وحسنه في وقت ماجت فيه الأهواء واختلطت فيه الأفهام ووجد فيه المتأولون من أنصاف الفقهاء فسحة: فقتال المسلم جهاد وسببابه قربة وأخذ ماله غنيمة. وأما جهاد الكفار الأشداء فلا حول لهم به ولا قوة، وليس لهم إلا أن يسألوا الله تعالى أن يهلك بعضهم ببعض في القريب العاجل، كما هو عليه الحال بين المسلمين الآن. نسأل الله أن يؤلف بين المسلمين ويجمعهم على كلمة التقوى، وأن يجعلهم قوة على من عاداهم ويهديهم لأمره تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).

أما قوله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فلكأني بهذا الشيخ الجليل وهذه الآية لم تغب لحظة من ذهنه. كيف لا وجمع كلمة المسلمين من أعظم أصول الدين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير