تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكم عانت البشرية على مر تأريخها من ظلم بعضها لبعض، من ظلم العباد للعباد، والإنسان لأخيه الإنسان؛ فكم من ملايين الأنفس أزهقت ظلما فتيتمت ملايين وترملت أخرى، وكم من الملايين ذاقت أصناف العذاب المرعب حرقا وتمزيا وتشويها وتعليبا في مجاهيل الأرض. وكم من العفائف اغتصبت وكم من الأموال سلبت وكم من البسمات بهتت وكم من الآمال أحبطت وكم وكم وكم؛ لا عليك أن تحسب ولكن عليك أن تحتسب. إن الإنسان لينكر الإنسان حين يعلم أن هذا الغول الهائل من الظلم لم يفعله سوى الإنسان.

خلق الله تعالى الإنسان فجعل فيه الفطرة التي يبصر بها نور التوحيد، وأعان خلقه على نبذ الظلم والطغيان والتجبر فجعل تعالى في بني آدم عنصرين: عنصر الكرامة، وعنصر الضعف.

أما الكرامة، فقد كرم الله تعالى بني آدم وجعلهم خير مخلوقات الأرض وأرقاها، فخصهم برسالاته وأنبيائه، وسخر لهم ما في السماء والأرض من تراب وبحر ومطر وزرع وحيوان وغير ذلك مما خلق. قال تعالى (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه)، وقال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلا)، وقال تعالى (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).

إن الإنسان لحري أن يرقى بهذا التكريم الرباني الى سامي الأخلاق وأعلاها، ولكن يأبى أكثر الناس إلا كفورا. فلقد خط التأريخ صحفا سوداء لوحوش ضارية في صورة بشر إسما وشكلا وحسبا ونسبا، بل هم والله أضل وأطغى.

أما الضعف، فلكي يدرك الإنسان خلقه فيتواضع لله ولبني جنسه، فهو ما خلق إلا من ماء مهين، وهو يجوع ويعطش ويمرض ويموت، ويتألم من لسعة نمل ووخزة أبرة. بل هو لو منع من قضاء حاجته لمات ألما وسما. قال تعالى (ألم نخلقكم من ماء مهين)، وقال تعالى (وخلق الإنسان ضعيفا). ومع ذلك هو يتجبر ويتكبر ويظلم ويطغى.

لم ينفرد الإسلام بتحريم الظلم بين العباد (الذي هو إضرار غير المستحق) بل هو محرم باتفاق أهل الأرض جميعا. فما سبب انتشاره إذن؟

ربما يصح أن يقال أن هنالك نوعين من ظلم العباد للعباد: ظلم محلي وظلم استراتيجي. أما الظلم المحلي فينتشر في العادة في البلاد التي لا تحترم قوانينها فضلا عن دينها، وما أكثر ذلك في بلاد المسلمين اليوم. أما الظلم الاستراتيجي فهو أعظم أنواع ظلم العباد للعباد، فهو الظلم المصنوع في المؤسسات السياسية الكبرى، إنه ظلم إبادة الشعوب لتحقيق مصالح تلك المؤسسات. ولا شك أن ما حدث في البوسنة من ظلم يتفجر له الصخر لم يكن نزوة من جنود الصرب، بل هو تنفيذ لمخطط كبير مصنوع في مؤسسة سياسية كبرى. وما حدث ويحدث في فسلطين وفي الشيشان وفي كشمير وفي كثير من بلاد الله، لهو أمثلة حية ماثلة على وحشية هذه المؤسسات الكبرى مع إنها تفخر باستحصالها أرقى علوم التكنولوجيا في مشارف القرن الحادي والعشرين.

وإذا تركنا الكلام على بشاعة الظلم الواقع في القرون الوسطى والعهود المظلمة، فإن الكلام على ظلم الشعوب في تأريخنا المعاصر لا يقل بشاعة عن ذلك. ففي فلسطين شرد عام 1948 أكثر من (200) ألف إنسان مسلم من منازلهم من قبل أقلية يهودية (لا تتجاوز نسبتها 11% عام 1922، و 16,9% عام 1931 حسب الإحصائيات البريطانية) بقرار سياسي عالمي. وفي عام 1982 ذبح اليهود أكثر من 3500 مسلم في صبرا وشاتيلا خلال 40 ساعة فقط بقرار سياسي مصنوع.

وفي عصر ستالين -خلال سنة واحدة فقط بين عامي 1935 - 1936 - ذهب أكثر من (500) ألف إنسان ضحية لسياسة الإضطهاد التي كان ينتهجها. وبقرار ستالين أيضا مات في أوكرانيا فقط -خلال عامي 1932 - 1933 - أكثر من ثلاثة ملايين إنسان جوعا لرفضهم تسليم أراضيهم الزراعية الى الحكومة.

ولم يجد صانعوا الحرب العالمية الثانية - التي قتل فيها حوالي (15) مليون إنسان - بديلا لإيقافها إلا بإبادة أكثر من (100) ألف إنسان أعزل في اليابان ألقيت عليهم قنبلتي هيروشيما وناكازاكي الذريتين.

وفي اثيوبيا - في عام 1973 - مات (100) ألف إنسان جوعا، بسبب أن امبراطورها في ذلك الوقت رفض أن يعلن عن المجاعة ويطلب مساعدات لكي لا تتأثر إيراداته من تجارة السياحة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير