هذا مذهَبُ عامةِ أهلِ العلم، قال ابنُ المُنْذِرِ: "أجمعَ عوامُّ أهلِ العلمِ على أَنَّ [حَدَّ] من سَبَّ النبيَّ ? القتل، وممن قاله مالكٌ واللَّيثُ وأحمدُ وإسحاقُ، وهو مذهبُ الشافعي". قال: "وحُكي عن النعمان: لا يقتل – يعني الذِّمَّي- ما هُم عليه من الشركِ أعْظَمُ".
وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحابِ الشافعي إجماعَ المسلمين على أنَّ حدَّ من يَسبّ النبيَّ ? القتلُ كما أن حدَّ من سَبَّ غيرَه الجلدُ. وهذا الإجماعُ الذي حكاه هذا محمولٌ على إجماعِ الصَّدْرِ الأول مِن الصحابة والتابعين، أو أنه أرادَ به إجماعَهم على أن سَابَّ النبيَّ ? يجبُ قتلُه إذا كان مسلماً، وكذلك قَيَّدَه القاضي عِيَاضٌ، فقال: "أجمعت الأمةُ على قَتْل متنقِّصِه من المسلمين وسابِّه"، وكذلك حَكَى [عن] غيرِ واحدٍ الإجماع على قتله وتكفيره. وقال الإمامُ إسحاقُ/ بن رَاهُوْيَه أحدُ الأئمة الأعْلام: أجمع المسلمون على أنَّ من سَبَّ اللهَ، أو سَبَّ رسولَه ?، أو دَفَعَ شيئاً مما أنزل الله عزّ وجلّ، أو قَتَلَ نبياً من أنبياء اللهِ عزّ وجلّ، أنه كافر بذلك وإن كان مُقِرّاً بكل ما أنزل اللهُ.
وقال الخطّابي: "لا أعلم أحداً من المسلمين اخْتَلَفَ في وُجُوب قَتْله". وقال محمد بن سُحْنُون: "أجمع العلماء على أن شاتم النبي ? المتَنَقِّصَ له كافرٌ, والوعيدُ جارٍ عليه بعذاب [اللهِ] له وحكمه عند الأمة القتلُ، ومَنْ شكَّ في كفره وعذابه كفر".
تحرير القول في حكم الساب
وتحرير القول فيها: أنَّ السابَّ أن كان مسلماً فانه يَكفُرُ ويُقْتَلُ بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم ممن حكى الإجماعَ على ذلك من الأئمة مثل إسحاقُ بن رَاهُوْيَه وغيره، وان كان ذمِّيّاً فانه يقتل أيضاً في مذهب مالكٍ وأهْلِ المدينة، وسيأتي حكايةُ [ألفاظهم]، وهو مذهبُ أحمد وفقهاءِ الحديث وقد نَصَّ أحمدُ على ذلك في مواضعَ متعددة. "قال حَنْبَل: سمعت أبا عبدالله يقول:
نصوص الإمام أحمد
"كلُّ من شتم النبي? أو تنقَّصه- مسلماً كان أو كافراً – فعليه القتلُ، وأرى أن يُقتل ولا يُستتاب". قال: وسمعت أبا عبدالله يقول: "كلُّ مَن نَقَضَ العهدَ وأحدث في الإسلام حَدَثاً مثل هذا رأيتُ عليه القتل، ليس على هذا أعْطُوا العهدَ*) والذِّمَّة"، وكذلك قال أبو الصقر: سألت أبا عبدالله عن رجل من أهل الذمَّة شتم النبيَّ ?، ماذا عليه؟ قال: إذا قامت عليه البينة يقتل مَنْ شتم النبي ?، مسلماً كان أو كافراً"، رواهما الخَلاَّل.
وقال في رواية عبدالله وأبي طالب وقد سُئل عمن شتم النبيَّ ? قال: "يُقتل، قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم، أحاديث منها: حديثُ الأعمى الذي قَتَلَ المرأة، قال: سمعتها تَشتمُ النبيَّ ?، وحديثُ حصينٍ أن ابن عمر قال: من شتم النبيَّ ? قُتل، وعمر ابن عبدالعزيز يقول: يُقتل، وذلك أنه من شتم النبيَّ ? فهو مُرْتَدٌّ عن الإسلام، ولا يشتم مسلمٌ النبيَّ ?".
زاد عبدُالله: "سألتُ أبي عمن شتم النبيَّ ?، يُستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتلُ، ولا/ يُستتاب؛ خالد بن الوليد قَتَلَ رجلاً شتم النبي ? ولم يَسْتَتِبْه"، [رواهما] أبو بكر في "الشافي"، وفي رواية أبي طالب: "سئل أحمدُ عمن شتم النبيَّ ?، قال: يُقْتَلُ، قد نَقَضَ العَهْدَ. وقال حرب: "سألتُ أحمد عن رجلٍ من أهل الذمة شتم النبيَّ ?، قال: يقتل، إذا شتم النبيَّ ?". رواهما الخَلاَّل، وقد نص على هذا في [غير] هذه الجوابات.
فأقوالُه كلُّها نصٌّ في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلافٌ.
وكذلك ذَكَرَ عامةُ أصحابه متقدمُهُمْ ومتأخرهم، لم يختلفوا في ذلك.
ما ينتقض به عهد الذمي
إلا أن القاضي في "المجرَّد" ذكر الأشياء التي يجب على أهل الذمة تركُها وفيها ضَرَرٌ على المسلمين وآحادِهم في نفسٍ أو مالٍ، وهي: الإعانةُ على قتال المسلمين، وقَتْلُ المسلم أو المسلمة، وقطع الطريق عليهم، وأن يؤوِيَ للمشركين جاسوساً، وأن يعين عليهم بدَلالةٍ، مثل: أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، وأن يزني بمسلمةٍ أو يصيبها باسم نكاحٍ، وأن يَفْتِنَ مسلماً عن دينه، قال: "فعليه الكَفُّ عن هذا، شُرط أو لم يُشرط؛ فإن خالف انتقضَ عهدهُ". وذكر نصوص أحمد في بعضها، مثل نصه في الزنى بالمسلمة، وفي التجسس للمشركين وقتلِ المسلم وإن كان عَبْداً
¥