تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والرواية الأخرى عنه – وهي قول الأكثرين -: أنه لا حَدَّ عليه؛ لأنه أذى لهما لا قذفٌ لهما، والحد التام إنما يجب بالقذف، وفي جانب النبي e أذاه كقَذْفِه، ومن يقصد عيب النبي e بعيب أزواجه فهو منافق، وهذا معنى قول ابن عباس: "اللعنة في المنافقين عامة"، وقد وافق ابن عباس على هذا جماعةٌ؛ فروى الإمام أحمد والأشجُّ عن خُصَيف قال: سألت سعيد بن جُبَيْر، فقال: الزنى أشدُّ أو قَذْفُ المحصنة؟ قال: لا، بل الزنى، قال: قلت: فإن الله تعالى يقول: ?إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (فقال: إنما كان هذا عن عائشة خاصة.

وروى أحمد بإسناده عن أبي الجوزاء في هذه الآية:) إنَّ الّذين يَرْمُون المُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا في الدُّنيَا والآخِرَةِ (قال: هذه لأمهات المؤمنين خاصة.

وروى الأشجُّ بإسناده عن الضحاك في هذه الآية قال: هُنَّ نساء النبي e.

وقال معمر عن الكلبي: إنما عُني بهذه الآية أزواج النبي e، فأما مَن رمى امرأة من المسلمين فهو فاسق كما قال الله تعالى، أو يتوب.

ووجه هذا ما تقدم مِن أَنَّ لعنةَ الله في الدنيا والآخرة لا تُستوجب بمجرد القذف، فتكون اللام في قوله:) المُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ المُؤْمِنَاتِ (لتعريف المعهود هنا أزواج النبي e؛ لأن الكلام في قصة الإفك ووقوع مَن وقع في أم المؤمنين عائشة، أو يُقْصَر اللفظ/ العام على سببه للدليل الذي يُوجبُ ذلك.

ويؤيد هذا القول أنَّ الله سبحانه رتَّبَ هذا الوعيدَ على قذف محصَناتٍ غافلاتٍ مؤمناتٍ، وقال في أول السورة:) والّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثمَّ لم يَأتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فاجْلِدُوهُم ثمَانِينَ جَلْدَةً (الآية، فرتب الجلد ورَدَّ الشهادة والفسق على مجرد قذف المحصنات، فلابد أن تكون المحصنات الغافلات المؤمنات لهنَّ مزية على مجرد المحصنات، وذلك ـ والله أعلم ـ لأن أزواج النبي e مشهود لهن بالإيمان؛ لأنهن أمهات المؤمنين وهُنَّ أزواج نبيه في الدنيا والآخرة، وعوام المسلمات إنما يُعْلَم منهن في الغالب ظاهر الإيمان، ولأن الله سبحانه قال في قصة عائشة:) والَّذي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عَذَابٌ عظيمٌ (فتخصيصه بتولي كبره دون غيرِه دليلٌ على اختصاصه بالعذاب العظيم، وقال:) وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَليكُم ورَحْمَتُهُ في الدُّنيَا والآخِرَةِ لَمسَّكُمْ فِيما أَفضْتُم فِيه عَذَابٌ عَظيمٌ (، فعلم أن العذاب العظيم لا يمسُّ كلَّ مَن قَذَف، وإنما يمس متولي كبره فقط، وقال هنا:) وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (، فعلم أنه الذي رمى أمهات المؤمنين يعيب بذلك رسول الله e وتولى كبْرَ الإفك، وهذه صفة المنافق ابن أُبيّ.

لا تقبل توبة من آذى النبي

واعلم أنه على هذا القول تكون هذه الآية حجة أيضاً موافقة لتلك الآية؛ لأنه لما رَمْىُ أمهات المؤمنين أذىً للنبي e لُعن صاحبه في الدنيا والآخرة، ولهذا قال ابن عباس: "ليس فيها توبة" لأن مؤذي النبي e لا تقبل توبته، أو يريد إذا تاب من القذف حتى يُسْلم إسلاماً جديداً، وعلى هذا فرمْيُهن نِفَاقٌ مبيحٌ للدم إذا قصد به أذى النبي e، أو أوذين بعد العلم بأنهن أزواجه في الآخرة؛ فإنه ما بغت امرأة نبي قط.

قذف أمهات المؤمنين أذى لرسول الله

ومما يدل على أن قذفهن أذى للنبي e ما خَرجَّاه في "الصحيحين" في حديث الإفك عن عائشة قالت: فقام رسول الله e ( فاستعذر من عبدالله بن أُبَيّ بن سَلُول، قالت: فقال رسول الله e) وهو على/ المنبر:

"يا مَعْشَر المُسْلِمِين مَنْ يَعْذِرُني مِنْ رجلٍ قد بَلَغَني أذاهُ في أهْلِ بَيْتي، فَوَاللهِ ما علمتُ على أَهْلِي إلاَّ خَيراً، وَلَقَدْ ذَكَروا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيهِ إِلاَّ خَيْراً، وَمَا كانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي"، فقام سعد بن مُعَاذ الأنصاري فقال: أنا أعْذِرُكَ منه يا رسول الله، إن كان من الأوْس ضَرَبْنَا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخَزْرَج أمَرْتَنَا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عُبَادة ـ وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً، ولكن احتَمَلَته الحمِيَّةُ ـ فقال لسعد بن مُعَاذ: لَعَمْر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله؛ فقام أُسَيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن مُعَاذ ـ فقال لسعد بن عُبَادة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير