تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقال أبو حمزة الثُّمالي: بلغنا أنها نزلت في مشركي أهل مكة؛ إذ كان بينهم وبين رسول الله e عَهْد، فكانت المرأة إذا خرجت إلى رسول الله e إلى المدينة مُهَاجِرَةً قَذَفَها المشركون من أهل مكة وقالوا: إنما خرجت تفجر، فعلى هذا تكون فيمن قذف المؤمنات قَذْفاً يصدُّهن به عن الإيمان، ويقصد بذلك ذمَّ المؤمنين لينفر الناس عن الإسلام كما فعل كعب بن الأشرف.

وعلى هذا فَمَنْ فَعَلَ ذلك فهو كافر، وهو بمنزلة مَنْ سَبَّ النبي e.

وقوله:" إنها نَزَلَتْ زَمَنَ العهد" يعني ـ و الله أعلم ـ أنه عني بها مثل أولئك المشركين المعاهَدِينَ، وإلاّ فهذه الآية نزلت ليالي الإفك، وكان الإفك في غزوة بني المُصْطَلقِ قبل الخندق، والهدنة كانت بعد ذلك بسنتين.

ومنهم مَنْ أجراها على ظاهرها و عمومها؛ لأن سبب نزولها قَذْفُ عائشة، وكان فيمن قذفها مؤمن ومنافق، وسبب النزول لا بد أن يندرج في العموم، ولأنه لا موجب لتخصيصها.

و الجواب على هذا التقدير أنه سبحانه قال هنا:) لُعِنُوا في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (على بناء الفعل للمفعول، ولم يُسَمّ اللاعن، وقال هناك:) لَعَنَهُمُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (وإذا لم يسم الفاعل جاز أن يلعنهم غير الله من الملائكة والناس، وجاز أن يلعنهم الله في وقْتٍ، ويلعنهم بعض خلقه في وقت، وجاز أن الله تعالى يتولى لعنة بعضهم، وهو مَنْ كان قَذْفُه طعناً في الدين، ويتولّى لعنة الآخرين، وإذا كان اللاعن مخلوقاً فلعنَتُه قد تكون بمعنى الدعاء عليهم، وقد تكون بمعنى أنهم يبعدونهم عن رحمة الله.

ويؤيد هذا أن الرجل إذا قَذَفَ امرأته/ تلاعَنَا، و قال الزوج في الخامسة:) لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنَ الكَاذِبِينَ (فهو يدعو على نفسه إن كان كاذباً في القذف أن يلعنه الله، كما أمر الله رسوله أن يُبَاهِل مَنْ حَاجَّه في المسيح بعد ما جاءه من العلم بأن يبتهلوا فيجعلوا لَعنَةَ الله على الكاذبين؛ فهذا مما يلعن به القاذف، ومما يُلْعَنُ به أن يُجْلَد وأن تُرَدَّ شهادته ويُفَسَّقَ، فإنه عقوبة له وإقصاء له عن مواطن الأَمْنِ و القَبُولِ وهي من رحمة الله، وهذا بخلاف مَن أخبر الله أنه لعنه في الدنيا والآخرة؛ فإن لعنة الله له تُوجِبُ زوال النصر عنه من كل وجه، و بُعْدَهُ عن أسباب الرحمة في الدارين.

لم يذكر العذاب المهين إلا للكفار

ومما يؤيد الفرق أنه قال هنا:) وَ أعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (ولم يجيء إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار كقوله تعالى:) الَّذينَ يَبْخَلُون ويَأْمُرُون الناسَ بِالبُخْلِ ويَكْتُمُون مَا ءاتَهُمُ الله منْ فَضْلِهِ و أَعْتَدْنَا لِلْكَافرينَ عَذَاباً مُهيناً (وقوله:) وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إن اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذَاباً مُهِينَا (وقوله:) فَبَاءوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرينَ عَذَابٌ مُهينٌ ([وقوله]:) إنما نُمْلي لَهُمْ لِيزْدَادُوا إثماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ ([وقوله]:) وَالَّذِينَ كَفَروا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا فأولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [وقوله]:) وَإذا عَلِمَ مِنْ آياتنِا شَيئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهينٌ [وقوله]:) وَقَدْ أنْزَلْنَا آياتٍ بَيّنَاتٍ وَ للْكافِرينَ عَذابٌ مُهينٌ [وقوله]:) اتَّخَذُوا أيمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيِل اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (وأما قوله تعالى:) ومَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَه وَيَتَعَدَّ حُدُودَه يُدْخِلْهُ نَاراً خَالداً فِيهَا ولَه عَذابٌ مُهِينٌ (فهي والله أعلم فيمن جحد الفرائض، واستخفَّ بها، على أنه لم يذكر أن العذاب أُعِدَّ له.

العذاب العظيم لا يخص الكفار

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير