تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما العذاب العظيم فقد جاء وعيداً للمؤمنين في قوله:) لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فيما أخَذْتُم عَذَابٌ عَظِيمٌ وقوله:) وَلَوْلاَ فَضْل اللّهِ عَلَيكُم وَرَحْمَتُهُ لَمَسَّكُمْ في مَا أفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عظيمٌ وفي المحارب:) ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ و في القاتل:) وَ غَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَلَعَنَه وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (وقوله:) وَلا تَتَخِذُوا أيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا و تَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيِل اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ وقد قال سبحانه:) ومَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم (، وذلك لأن الإهانة إذلالٌ وتحقيرٌ و خِزيٌ، وذلك قدرٌ زائد على ألم العذاب، فقد يُعذَّبُ الرجُلُ الكريم و لا يهان.

فلما قال في هذه الآية:) وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (علم أنه من جنس العذاب الذي تَوَعَّد به الكفار والمنافقين، ولما قال هناك:) وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (جاز أن يكون من جنس العذاب في قوله:) لَمَسَّكُمْ في مَا أفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (.

ومما يبين الفرق أيضاً أنه سبحانه قال هنا:) وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (، والعذاب إنما أُعِدَّ للكافرين؛ فإن جهنم لهم خلقت؛ لأنهم لا بُدَّ أن يدخلوها، وما هم منها بمخرجين، وأهل الكبائر من المؤمنين [يجوز] أن لا يدخلوها إذا غفر الله لهم، وإذا دَخَلُوها فإنهم يخرجون منها ولو بعد حين.

قال سبحانه:) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّت لِلْكَافِرِينَ (، فأمر سبحانه المؤمنين أن لا يأكلوا الربا، وأن يتقوا الله، و أن يتقوا النار التي أعدت للكافرين؛ فعلم أنهم يُخَافُ عليهم من دخول النار إذا أكلوا الربا وفعلوا المعاصي مع أنها مُعَدَّة للكفار، لا لهم، وكذلك جاء في الحديث: "أما أهل النار الذين هُمْ أهْلُها فإنَّهم لا يَموتُون فيها ولا يَحْيَوْنَ"، "وأما أقوامٌ لهم ذنوبٌ فيصِيبهُمُ سَفْعٌ مِنْ نَارٍ ثُمَّ يُخْرِجُهُم اللهُ مِنها" وهذا كما أن الجنة أُعِدَّتْ للمتقين الذين ينْفِقُونَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاء، وإن كان يدخلها الأبناء بعمل آبائهم، ويدخلها قومٌ بالشفاعة، وقومٌ بالرحمة، وينشئ اللهُ لما فَضُلَ منها خلقاً آخر في الدار الآخرة فيدخلهم إياها، وذلك لأن الشيء إنما يُعَدُّ لمن يستوجبه ويستحقه، ولمن هو أوْلى الناس به، ثم قد يدخل معه غيره بطريق التَّبَع أو لسبب آخر.

لا يرفع المؤمن صوته فوق صوت النبي

الدليل السادس: قوله سبحانه:) لاَ تَرْفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْت النَّبِيّ وَ لاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُمْ وَأنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ (أي: حَذَراً أن تحبط أعمالكم، أو خَشْية أن تحبط أعمالكم، أو كَرَاهةَ أن تحبط، أو مَنْعَ أن تحبط، هذا تقديرُ البصريين، وتقدير الكوفيين: "لِئَلاَّ تَحْبَطَ".

لا يقبل العمل مع الكفر

فوَجْهُ الدلالة أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض؛ لأن هذا الرفع والجهر قد يُفْضي إلى حُبُوط العمل وصاحبه لا يشعر؛ فإنه عَلَّلَ نَهْيَهم عن الجهر وتركهم له بطلب سلامة العمل عن الحبوط، وبيّن أن فيه من المفسدة جواز حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك، وما قد يُفْضي إلى حبوط العمل يجب تركه غَايَةَ الوجوب، والعمل يَحْبُطُ بالكفر، قاله سبحانه:) ومَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِيْنِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ?، وقال تعالى:) وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وقال:) وَلَوْ أشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ?، وقال:) لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبِطَنَّ عَمَلُكَ (وقال:) ذَلَكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أعْمَالَهُمْ وقال:) ذَلِكَ بِأنَّهُم اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهََ وكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أعْمَالَهُمْ (كما أن الكفر إذا قَارَنه [عمل] لم يُقبل، لقوله تعالى:) إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ وقوله:) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصدُّوا عَنْ سَبِيل اللهِ أضَلَّ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير