تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و في "الصحيحين" عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله e يقول: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ حِدَاثُ الأسْنَانِ سُفَهَاءُ الأحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّميَّةِ، فأينَمَا لَقِيتُمُوهُم فَاقْتُلُوهُمْ، فَإنَّ فِي قَتْلِهمْ أَجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ".

رجل أسود يعترض على قسم رسول الله

وروى النسائي عن أبي برزة قال: أتى رسول الله e بمال فقسمه، فأعطى مَن عن يمينه ومن عن شماله، ولم يعط مَن وَراءه شيئاً فقام رجل من ورائه فقال: يا محمد، ما عَدَلْتَ في القسمة، رجلٌ أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان، فغضب رسول الله e غضباً شديداً، وقال: "واللهِ لا تَجِدُون بَعْدِي رَجُلاً [هو] أعْدَلُ مِنِّي" ثم قال: "يَخْرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ كأنَّ هذَا مِنْهُمْ يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجاوِزُ تَرَاقِيهمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلامِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، سِيمَاهُمُ التَّحْليقُ، لاَ يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتى يَخْرُجَ آخِرُهم معَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، فإذا لَقِيتُموهُم فَاقْتُلُوهًم، هُمْ شَرُّ الخَلْقِ وَالخَلِيقَةِ".

فهذه الأحاديث كلها دليلٌ على أن النبي e أمر بقتل طائفة هذا الرجل العائب عليه، وأخبر أن في قتلهم أجراً لمن قتلهم وقال: "لَئِنْ أّدْرَكْتُهمْ لأَقْتُلَنَّهُم قَتْلَ عَادٍ"، وذكر أنهم شر الخلق والخليقة.

وفيما رواه الترمذي وغيره عن أبي أمامة أنه قال:"هُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتْلى مَن قَتَلوه" وذكر أنه سمع النبي e يقول ذلك مراتٍ متعددة، وتلا فيهم قوله تعالى:) يَوْمَ تَبْيَضُ وَجُوه وَتَسْوَدُ وُجُوهٌ فأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكم وقال: هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم، وتلا فيهم قوله تعالى:) فَأمَّا الَّذِينَ في قُلوبِهم زَيْغٌ فَيَتَّبِعُون مَا تَشَابهَ مِنهُ (، وقال: زاغوا فَزِيْغَ بهم، ولا يجوز أن [يكون] أمر بقتلهم لمجرد قتالهم الناس كما يقاتل الصائلُ من قاطع الطريق ونحوه وكما يقاتل البُغَاة؛ لأن أولئك إنما يُشرعُ قتالُهم حتى تنكسر شوكتهم ويكفُّوا عن الفساد ويدخلوا في الطاعة، و لا يقتلون أينما لُقُوا،/ ولا يُقْتَلُون قتل عادٍ، و ليسوا شرَّ قتلى تحت أديم السماء، ولا يُؤمَرُ بقتلهم، وإنما [يُؤْمَر] في آخر الأمر بقتالهم، فعلم أن هؤلاء أوجب قتلهم مروقهم من الدين لما غلوا فيه حتى مرقوا منه كما دلَّ عليه قوله في حديث علي: "يَمْرُقونَ مِنَ الدَّينِ كمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأينَمَا لَقِيتُمُوهُم فَاقْتُلُوهُم" فرتَّبَ الأمر بالقتل على مُروقهم، فعلم أنه الموجب له، ولهذا وصف النبي e الطائفة الخارجة وقال: "لَوْ يَعْلَمُ الجَيْشُ الذِينَ يُصِيبُونهُم مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمّدٍ لَنَكَلوا عَنِ العَمَلِ، وَآيَة ذَلكَ أَنَّ فَيْهَمْ رَجُلاً لَهُ عَضُدٌ لَيْسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلَى رَأْسِ عَضُدِه مِثْل حَلَمةِ الثَّدْي عَلَيْه شَعَرَات بِيْض" و قال: "إِنَّهُمْ يَخْرُجُون عَلَى خَيْرِ فرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَينِ إلَى الحَقِّ" وهذا ـ كله ـ في "الصحيح"، فثبت أن قتلهم لخصوص صفتهم، لا لعموم كونهم بُغَاة أو محاربين، وهذا القدر موجود في الواحد منهم كوجوده في العَدَدِ منهم، وإنما لم يقتلهم عَلِيٌّ رضي الله عنه أوَّلَ ما ظهروا لأنه لم يتبين [له] أنهم الطائفة المنعوتة حتى سفكوا دَمَ ابن خباب وأغاروا على سَرْح الناس فظهر فيهم قوله: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ، ويَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ" فعلم أنهم المارقون، ولأنه لو قتلهم قبل المحاربة له لربما غَضِبَتْ لهم قبائلهم، وتفرقوا على عليٍّ رضي الله عنه، وقد كان حاله في حاجته إلى مُدَاراة عسكره و استئلافهم كحال النبي e في حاجته أول الأمر إلى استئلاف المنافقين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير