الوجه السابع: أن نصر رسول الله e فرضٌ علينا، لأنه من التعزير المفروض، ولأَنَّه من أعظم الجهاد في سبيل الله/ ولذلك قال سبحانه:) مَا لَكُمْ إذَا قِيْلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ (إلى قوله:) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ (، وقال تعالى:) يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيْسَى بنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّيْنَ مَنْ أَنْصَارِي إِلى اللهِ (الآية، بل نَصْر آحاد المسلمين واجب بقوله e: " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَو مَظْلُوماً" وبقوله: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم لا يُسْلِمهُ ولا يَظْلِمه"، فكيف بنصر رسول الله e؟
ومن أعظم النصر حماية عرضه ممن يؤذيه، ألا ترى إلى قوله e: " مَنْ حَمَى مُؤْمِناً مِن مُنَافِقٍ يُؤْذِيهِ حَمَى اللهُ جِلْدَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ".
ولذلك سَمَّى مَن قابل الشاتم بمثل شتمه منتصراً، وسب رجل أبا بكر عند النبي e وهو ساكت، فلما أخذ لينتصر قام، فقال: يا رسول الله، كان يَسُبُّني وأنت قاعد، فلما أخذت لأنتصر قمتَ!! فقال: "كَانَ المَلَكُ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ ذَهَبَ المَلَكُ، فَلَمْ أَكُنْ لأَقْعُدَ وَقَدْ ذَهَبَ المَلَكُ" أو كما قال e.
وهذا كثير معروف في كلامهم، يقولون لمن كافى الساب والشاتم: "منتصراً" كما يقولون لمن كافى الضارب والقاتل: "منتصراً".
وقد تقدم أنه e قال للذي قتل بنت مروان لما شتمته: "إِذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَهُ بِالغَيْبِ فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا"، وقال للرجل الذي خرق صف المشركين حتى ضرب بالسيف ساب النبي e، فقال النبي e: " أَعَجِبْتُم مِنْ رَجُلٍ نَصَرَ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ ".
وحماية عرضه e في كونه نصراً أبلغ من ذلك في حق غيره؛ لأن الوقيعة في عرض غيره قد [لا تضر] مقصوده، بل تكتب له بها حسنات.
قيام المديح للنبي قيام للدين وضياعه ضياع للدين
أما انتهاك عرض رسول الله e فإنه منافٍ لدين الله بالكلية؛ فإن العرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم، فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطل الدين، فقيام المدحة والثناء عليه و التعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإذا كان كذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه، والانتصار له بالقتل؛ لأن انتهاك عرضه انتهاك لدين الله.
ومن المعلوم/ أن من سعى في دين الله تعالى بالفساد استحق القتل، بخلاف انتهاك عرض غيره معيناً فإنه لا يبطل الدين، والمعاهد لم نعاهده على ترك الانتصار لرسول الله e منه ولا من غيره، كما لم نعاهده على ترك استيفاء حقوق المسلمين، ولا يجوز أن نعاهده على ذلك، وهو يعلم أنّا لم نعاهده على ذلك، فإذا سبه فقد وجب علينا أن ننتصر له بالقتل، ولا عهد معه على ترك ذلك، فيجب قتله، وهذا بيِّنٌ واضح لمن تأمله.
الوجه الثامن: أن الكفار قد عوهدوا على أن لا يظهروا شيئاً من المنكرات التي تختص بدينهم في بلاد الإسلام، فمتى أظهروها استحقوا العقوبة على إظهارها، وإن كان إظهارها ديناً لهم، فمتى أظهروا سب رسول الله e استحقوا عقوبة ذلك، وعقوبة ذلك القتل كما تقدم.
عقوبة سب الرسول هي القتل
الوجه التاسع: أنه لا خلاف بين المسلمين ـ علمناه ـ أنهم ممنوعون من إظهار السب، وأنهم يعاقبون عليه إذا فعلوه بعد النَّهي، فعلم أنهم لم يُقَروا عليه كما أقروا على ما هم عليه من الكفر، وإذا فعلوا ما لم يقروا عليه من الجنايات استحقوا العقوبة بالاتفاق، وعقوبة السب إما أن تكون جلداً وحبساً أو قطعاً أو قتلاً، والأول باطل؛ فإن مجرد سب الواحد من المسلمين وسلطان المسلمين يوجب الجلد والحبس فلو كان سب الرسول كذلك لسوي بين سب الرسول وسب غيره من الأمة، وهو باطل بالضرورة، والقطع لا معنى له، فتعين القتل.
متى خالف أهل الذمة انفسخ عهدهم
¥