تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك روى الإمام أحمد وغيره عن قتادة، قال: أمر الله نبيه e أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره وقضائه، ثم أنزل الله عز وجل براءة فأتى الله بأمره وقضائه، فقال تعالى:) قَاتِلُوا الذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ (الآية، قال: فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وأمر الله فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يُقِروا بالجزية صغاراً [ونقمةً] لهم.

وكذلك ذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن النبي e لم يكن يقاتل من كف عن قتاله، لقوله تعالى:) فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمُ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (إلى أن نزلت براءة.

وجملة ذلك أنه لما نزلت براءة أُمِر أن يبتدئ جميع الكفار بالقتال وثنيهم وكتابيهم، سواء كفوا عنه أولم يكفوا، وأن/ ينبذ إليهم تلك العهود المطلقة التي كانت بينه وبينهم، وقيل له فيها:) جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (بعد أن كان قد قيل له:) وَلاَ تُطِعْ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أذَاهُمْ (.

بدر كانت أساس العز والفتح تمامه

ولهذا قال زيد بن أَسْلَم: نسخت هذه الآية ما كان قبلها، فأما قبل براءة وقبل بدر فقد كان مأموراً بالصبر على أذاهم والعفو عنهم، وأما بعد بدر وقبل براءة فقد كان يقاتل من يؤذيه ويمسك عمن سالمه كما فعل بابن الأشرف وغيره ممن كان يؤذيه، فبدرٌ كانت أساس عز الدين، وفتح مكة كانت كمال عز الدين، فكانوا قبل بدر يسمعون الأذى الظاهر ويؤمرون بالصبر عليه، وبعد بدر يُؤذَون في السر من جهة المنافقين وغيرهم، فيؤمرون بالصبر عليه، وفي تبوك أُمروا بالإغلاظ للكفار والمنافقين، فلم يتمكن بعدها كافر ولا منافق [من] أذاهم في مجلس خاص ولا عام، بل مات بغيظه؛ لعلمه بأَنَّهُ يُقتل إذا تكلم، وقد كان بعد بدر لليهود استطالة وأذى للمسلمين إلى أن قُتل كعب بن الأشرف.

قال محمد بن إسحاق في حديثه عن محمد بن مسلمة قال: فأصبحنا وقد خافت اليهود لوقعتنا بعدوّ الله؛ فليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه.

مقتل ابن سنينة اليهودي

وروى بإسناده عن محيصة أن رسول الله e قال: "مَن ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ" فوثب محيصة بن مسعود على ابن سُنينة رجلٍ من تجار يهود كان يلابسهم [و] يبايعهم، فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، وكان أسن محيصة، فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله قتلته، أما واللهِ لَرُبَّ شحم في بطنك من ماله، فوالله إن كان لأول إسلام حويصة، فقال محيصة: فقلت له: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك [لـ]ـضربت عنقك، فقال: لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟ فقال محيصة: نعم والله، فقال حويصة: والله إن ديناً بلغ هذا منك لعجب.

حذر اليهود وخوفهم

وذكر غير ابن إسحاق أن اليهود حَذِرَت وذلت وخافت من يوم قتل ابن الأشرف، فلما أتى الله بأمره الذي وعده من ظهور الدين وعز المؤمنين أمر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين، وبقتال المشركين كافةً، وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية/ عن يد وهم صاغرون.

عاقبة الصبر والتقوى

فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى اللذين أمر الله بهما في أول الأمر، وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية، وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعَف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصَّغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عُمُرِ رسول الله e وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله [النصر] التام، فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعَف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين [يطعنون] في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

الاعتراض الثاني

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير