تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

… مولى مروان بن الحكم) ([370])، وقد أورد ابن الفرضي نماذج كثيرة لهذا النوع من الاستكتاب، وهذا مما يدل على حرصه في البحث عن مادته العلمية، ودقته في رصدها ([371]).

كانت هذه أهم الطرق التي نهجها ابن الفرضي في استكتابه لعدد من الأشخاص من أجل الحصول على بعض الثغرات المتعلقة بمادته العلمية، ولا شك أن هذا الأسلوب في جمع مادته العلمية يؤكد حرصه الشديد على تتبع ضالته حسب مظانها ومواقعها؛ مهما كانت الوسائل والمتاعب الناتجة عن ذلك.

ج - اللوحات والوثائق المادية:

يعتبر هذا النوع من المصادر المهمة، وذلك لأن الكاتب أو المؤرخ حينما يعتمد عليها في أخذ مادته العلمية لا يتعامل مع مجهول بل إنه أمام دليل مادي يدل ضمناً أو صراحة على ما يريد الباحث أو المؤرخ، وهذه الدلالة تكون غالباً حسب ظاهرها غير قابلة للتأويل، أو التحريف أو غيرها من آفات نقل الأخبار، ولهذا عد كثير من الكتاب هذا النوع بأنه من أهم أنواع المصادر، وذلك لأنه شاهد ثابت لا يمكن أن يتأثر بآفات النقل والرواية.

ولما كان ابن الفرضي قد عاصر كثيراً من الرجال الذين كتب عنهم كما أنهم - أيضاً - قد نشأوا وعاشوا في بلاد الأندلس فإنه بهذا يكون قد عايش الإطارين الزماني والمكاني لموضوع كتابه، وهذا مكنه من الاطلاع، ومشاهدة بعض الوثائق المادية التي أعانته في الحصول على بعض ما يريد، وقد كانت اللوحات المكتوبة على القبور من أهم هذا النوع حيث حددت له سني وفيات عدد من العلماء وهو مهم عنده إذ يتوقف عليه قضايا هامة في الرواية والسماع عند المحدثين، ذلك أن معرفة وفاة الشيخ تبين مدى إمكانية معاصرة الرجال، ومقابلتهم لبعضهم.

ويبدو أن كتابة تاريخ الوفاة على القبور كانت من العادات المعمول بها عند مسلمي الأندلس آنذاك، ولهذا أفاد منها ابن الفرضي كثيراً، حيث يذكر ذلك بعد ذكره لسنة الوفاة إذ يقول: (قرأت تاريخ وفاته مكتوباً على قبره) ([372])، أو يقول: (قرأت تاريخ وفاته في لوح على قبره) ([373])، أو: (قرأت هذا التاريخ من لوح مكتوب على قبره) ([374])، بل قد يكون نقله أكثر من هذا مثل قوله حينما ذكر وفاة محمد بن أحمد التراس: (قرأت على قبره مكتوباً توفي محمد بن أحمد التراس ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة) ([375])، كما أنه قد يجمع بين الرواية الشفوية، وخبر الوثيقة المادي فهو حينما ذكر وفاة علي بن عبد القادر القلاعي قال: (أخبرني بذلك الباجي، وقرأته مكتوباً على قبره) ([376]).

وبالإضافة إلى اللوحات على القبور فإن ابن الفرضي قد أفاد أيضاً من بعض الوثائق المادية الأخرى مثل وثائق المبايعات ومن ذلك قوله عن محارب بن قطن: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة أحدى وثمانين ومائتين) ([377])، وهو حينما ذكر هذه الوثيقة يرد بها على خالد بن سعيد الذي ذكر بأن وفاة محارب كانت سنة ست وخمسين ومائتين ([378])، وهكذا اعتمد ابن الفرضي ما جاء في تلك الوثيقة وقدمه على ما ذكره خالد لأنها في نظرة أدق وأوثق، ومن الأمثلة على ذلك -أيضاً- قوله حين حديثه عن إبراهيم بن علي الصوفي - أحد الغرباء الذين قدموا إلى الأندلس -: (وكان أبو اسحاق هذا - يعني إبراهيم - أحد من له الإجابات الظاهرة … حدثنا عنه سهل بن إبراهيم بصك كتبه لي بخطه) ([379]).

وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنها كانت مصدراً مهماً لوضوحه ودقة دلالته، فضلاً عن سرعة الوصول إليه.

ثانياً: مصادر المعاينة والمعايشة والمشاهدة:

إن معاصرة ومعايشة ابن الفرضي لعدد من العلماء الذين كتب عنهم مكنته من الاحتكاك بهم والعيش معهم ومخالطتهم، إما في المنتديات والمناسبات الاجتماعية، أو في حلقات الدروس وأماكن طلب العلم، أو في غيرها من المواقع، وهذا ما جعله شاهد عيان لكثير من القضايا التي تحدث عنها عند عدد من العلماء سواء أكانت مشاهدته تتعلق بالصفات النفسية أو الخلقية، أو الاجتماعية، أو المواهب والصفات الخلقية، أو المشاهد والتجمعات البشرية في المناسبات المختلقة حيث قام برصد كل هذه المشاهدات ثم تدوينها ضمن حديثه عن أصحابها، وقد كان هذا النوع من المصادر موضع اعتبار عند ابن الفرضي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير