تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال نعم؛ فلما كان الغد أو العشي جاء، قال رسول الله e: " إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا جَاءَ فَسَأَلَنَا فَأَعْطَيْنَاهُ، فَقَالَ مَا قَالَ، وَإِنَّا دَعَوْنَاهُ إِلَى البَيْتِ فَأَعْطَيْنَاهُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ رَضِىَ، أَكَذَلِكَ؟ " قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً، فقال النبي e: " أَلاَ إِنَّ مِثْلي وَمِثْل هذا الأَعْرَابِيِّ كَمثلِ رَجُِلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ، فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلاَّ نُفُوراً، فَنَادَاهُمْ صَاحِبُ النَّاقَةِ؛ خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ نَاقَتِي، فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا، فَتَوَجَّهَ لَهَا صَاحِبُ النَّاَقِة بَيْنَ يَدَيْهَا، فَأَخَذَ لَهَا مِنْ قُمَامِ الأَرْضِ، فَجَاءَتْ فَاسْتَنَاخَتْ، فَشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَاسْتَوى عَلَيْهَا، وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حِيْنَ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ، فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ".

ورواه أبو أحمد العسكري بهذا الإسناد قال: جاء أعرابي إلى النبي e فقال: يا محمد أعطني فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فأغلظ للنبي e، فوثب إليه أصحابه فقالوا: يا عدو الله، تقول هذا لرسول الله e؟ وذكره.

[فهذا] يبين لك أن قتل ذلك الرجل لأجل قوله ما قال كان جائزاً قبل الاستتابة، وأنه صار كافراً بتلك الكلمة، ولولا ذلك لما كان يدخل/ النار إذا قتل على مجرد تلك الكلمة، بل كان يدخل الجنة لأنه مظلوم شهيد، وكان قاتله يدخل النار لأنه قتل مؤمناً متعمداً، ولكان النبي e يبين أن قتله لم يحل لأنه سفك الدم بغير حق من أكبر الكبائر، وهذا الأعرابي كان مسلماً؛ ولهذا قال: "صَاحِبكُمْ"، ولهذا جاءه الأعرابي يستعينه، ولو كان كافراً محارباً له لما جاء يستعينه في شيء، ولو كان النبي e أعطاه ليُسْلم لذكر في الحديث أنه أسلم، فلما لم يجر للإسلام ذكر دلَّ على أنه كان ممن دخل في الإسلام وفيه جفاء الأعراب، وممن دخل في قوله تعالى:) فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (.

ومما يوضح ذلك أنه e كان يعفو عن المنافقين الذين لا يشك في نفاقهم، حتى قال: لو أعلم أني لو زدت على السبعين غُفر له لزدت، حتى نهاه الله عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم وأمره بالإغلاظ عليهم، فكثير مما كان يحتمله من المنافقين من الكلام وما يعاملهم من الصفح و العفو والاستغفار كان قبل نزول براءة لما قيل له:) وَلا تُطِعِ الكَافِرينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ (لاحتياجه إذ ذاك إلى استعطافهم، وخشية نفور العرب عنه إذا قتل أحداً منهم، وقد صرح e لما قال ابن أُبيّ:) لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ (ولما قال ذو الخويصرة: اعدل فإنك لم تعدل، وعند غير هذه القضية أنه إنما لم يقتلهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، فإن الناس ينظرون إلى ظاهر الأمر فيرون واحداً من الصحابة قد قتل، فيظن الظان أنه يقتل بعض أصحابه على غرض أو حقد أو نحو ذلك، فينفر الناس عن الدخول في الإسلام، وإذا كان من شريعته أن يتألف الناس على الإسلام بالأموال العظيمة، ليقوم دين الله وتعلو كلمته، فَلأَن يتألفهم بالعفو أولى وأحرى.

فلما أنزل الله براءة، ونهاه عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم، وأمره أن يجاهد الكفار والمنافقين ويَغْلُظ عليهم، نسخ جميع ما كان المنافقون يُعَاملون به من/ العفو، كما نسخ ما كان الكفار يُعامَلون به من الكف عمن سالم، ولم يبق إلا إقامة الحدود، وإعلاء كلمة الله في حق كل إنسان.

الاعتراض الثالث

فإن قيل: فقد قال تعالى:) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالةَ (إلى قوله:) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مواضِعِهِ ويَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِم وَطَعْناً فِي الدِّينِ (.

وقوله:) اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ (مثل قولهم: اسمع لا سمعت، واسمع غير مقبول منك؛ لأن من لا يقصد إسماعه لا يقبل كلامه.

و قولهم:) رَاعِنَا (قال قَتَادة وغيره: (كانت اليهود تقوله استهزاءً فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير