تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول مُسَلّم، لكن لا ينفع، لأن هؤلاء قد عاهدوا، فإن لم يكن هذا من دينهم في هذه الحال لم يكن لهم أن يفعلوه لأنه من دينهم في حالٍ أُخرى، وهذا كما أن المسلم من دينه استحلال دمائهم وأموالهم وأذاهم بالهجاء والسب إذا لم نعاهدهم، وليس من دينه استحلال ذلك إذا عاهدهم، فليس لنا أن نؤذيهم ونقول: قد عاهدناكم على ديننا، ومن ديننا استحلال أذاكم، فإن المعاهدة التي بين المتحاربين تُحَرِّم على كل واحد منهما في دينه ما كان يستحله من ضرر الآخر وأذاه قبل العهد.

وأما الثاني فممنوع، فإنه ليس من دينهم استحلال نقض العهد، ولا مخالفة من عاهدوه في شيء مما عاهدوه، بل من دين جميع أهل الأرض الوفاء بالعهد، وإن لم يكن هذا معتقدَهم؛ فنحن إنما عاهدناهم على أن يَدينوا بوجوب الوفاء بالعهد، فإن لم يكن دينهم وجوب الوفاء به فلم نعاهدهم على دين يستحل صاحبه نقض العهد، ولو عاهدناهم على هذا الدين لكنا قد عاهدناهم على أن يدينوا بنقض العهد فينقضوه ونحن موفون بالعهد، وبطلان هذا واضح.

وإذا لم يكن فِعْل ما عاهدوا/ على تركه من دينهم فنحن قد عاهدناهم على أن يكفوا عن أذانا بألسنتهم وأيديهم، وأن لا يظهروا شيئاً من أذى الله ورسوله، وأن يخفوا دينهم الذي هو باطل في حكم الله ورسوله، وإذا عاهدوا على ترك هذا وإخفاء هذا كان فعله حراماً عليهم في دينهم؛ لأن ذلك غدرٌ وخيانة، وترك للوفاء بالعهد، ومن دينهم أن ذلك حرام، ولو أن مسلماً عاهده قومٌ من الكفار طائعاً غير مكره على أن يمسك عن ذكر صليبهم لوجب عليه في دينه أن يمسك ما دام العهد قائماً.

فقول القائل: "من دينهم استحلال سب نبياً" باطل؛ إذ ذلك مع العهد المقتضي لتركه حرام في دينهم كما يحرم عليهم في دينهم استحلال دمائنا وأموالنا لأجل العهد، وهم يعتقدون عند أنفسهم أنهم إذا آذوا الله ورسوله بألسنتهم أو ضروا المسلمين بعد العهد فقد فعلوا ما هو حرام في دينهم، كما أن المسلم يعلم أنه إذا آذاهم بعد العهد فقد فعل ما هو حرام في دينه، ويعلمون أن ذلك مخالفة للعهد، وإن ظنوا أن لا عهد بيننا وبينهم، وإنما هم مغلوبون تحت يد الإسلام، فذلك أبعد لهم عن العصمة وأولى بالانتقام، فإنه لا عاصم لهم منا إلا العهد، فإن لم يعتقدوا الوفاء بالعهد فلا عاصم أصلاً، وهذا كله بين لمن تأمله، يتبين به بعض فقه المسألة.

ومن الفقهاء من أجاب عن هذا بأنا أقررناهم على ما يعتقدونه، ونحن إنما نقول بنقض العهد إذا سبوه بما لا يعتقدونه من القذف ونحوه، وهذا التفصيل ليس بِمُرْضٍ، وسيأتي إن شاء الله تحقيق ذلك.

الاعتراض الخامس

فإن قيل: فهب أنهم صولحوا على أن لا يظهروا ذلك، لكن مجرد إظهار دينهم كيف ينقض العهد؟ وهل ذلك إلا بمثابة ما لو أظهروا أصواتهم بكتابهم أو صليبهم أو أعيادهم؟ فإن ذلك موجب لتنكيلهم وتعزيرهم، دون نقض العهد.

الجواب عنه

قلنا: وأي ناقض للعهد أعظم من أن يظهروا كلمة الكفر ويُعْلُوها، ويخرجوا عن حد الصَّغار، ويطعنوا في ديننا، ويؤذونا أذىً هو أبلغ من قتل النفوس وأخذ الأموال؟

و أما إظهار تلك الأشياء بعد شرط عمر المعروف ففيه وجهان/ عندنا:

أحدهما: ينتقض العهد فلا يلزمنا.

والآخر: لا ينتقض العهد.

والفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أن ظهور تلك الأشياء ليس فيه ظهور كلمة الكفر وعلوها، وإنما فيه ظهور لدين المشركين، وبين البابين فرق، فإن المسلم لو تكلم بكلمة الكفر كَفَرَ، ولو لم يفعل إلا مجرد مشاركة الكافر في هديه عوقب ولم يكفر، وكان ذلك كإظهار المعاصي من المسلم يوجب عقوبته، ولا يبطل إيمانه، والمتكلم بكلمة الكفر يبطل إيمانه، كذلك أهل العهد، إذا أظهروا الكفر ونحوه نقضوا أمانهم، وإذا أظهروا زِيهم عصوا ولم ينقضوا أمانهم.

وهذا جواب من يقول من أصحابنا وغيرهم: إنهم لو أظهروا التثليث ونحوه مما هو دينهم نقضوا العهد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير